عاشق الانتخابات

الصفحة الاخيرة 2021/08/26
...

حسن العاني
 
فاروق اللامي، رجل لا ثاني له طيبة وكرماً وبساطة، لا ينتظر دعوة أحد من اهل المحلة، بل تجده اول الحاضرين في افراحهم ومصائبهم، ولكن مشكلته الوحيدة هي هوسه بالانتخابات، كما لو ان احدهم خدعه بأن لا شيء في حياة العراقيين اهم منها او افضل!.
لم يكن الرجل – وهو شبه امي وابعد ما يكون عن السياسة – مرشحاً او لديه مرشح من اقاربه، ومع ذلك طرق أبواب المحلة باباً باباً لكي يحث الناس ويدعوها الى المشاركة وهو يردد عبارة – لعله سمعها من احدى الفضائيات – (هذا عرس الشعب البنفسجي)، وفي الموعد المحدد للادلاء بأصواتنا، ذهب مبكراً الى المركز الانتخابي، وبينما كنا نحاول غمس اقل جزء من السبابة بالحبر البنفسجي، غمس الرجل سبابته بالكامل من بدايتها الى نهايتها، وبينما سارعنا الى بيوتنا ولم نترك وسيلة تنظيف الا ودعكنا أيدينا بها لكي نزيل الحبر المزعج، رفض اللامي غسل سبابته حتى بالماء ووضعها في اصبع من المطاط الشفاف حفاظاً على الحبر واللون البنفسجي وكان بسبب عشقه المجنون للانتخابات يعمد كثيراً الى استعمال سبابته الملونة عندما يتحرك او يتحدث من اجل أن يراها 
الاخرون!.
مرت قرابة ثلاثة اشهر وهو على هذه الحالة، سعيد بسبابته لانها تشهد له على وطنيته كما كان يقول، لولا انه لاحظ مصادفة ان سبابته فقدت لونها البنفسجي البراق وأصبحت سوداء معتمة، ولهذا رفع الغطاء المطاطي عنها، وحاول علاج اللون الأسود والتخلص منه، ودعكها بالماء الدافئ والصابون و (الليفة) وحجارة الحمام، وجرب أنواع المساحيق والمنظفات، واستعان بعلاج الصيدليات ووصفات المعاشب الطبية، الا ان محاولاته جميعها باءت بالفشل، ومع انقضاء الشهر الخامس انتبه الرجل الى 
وجود ورم طفيف مع شيء من التشققات والقروح، وكان لابد من مراجعة المستشفى، وبعد اجراء الفحوصات والتحاليل قررت اللجنة الطبية استئصال السبابة لتعرضها الى الاصابة بالسرطان.
لم نترك الرجل الطيب وحده في المستشفى، كنا نحيط به وهو يبكي ويقول لنا عبر دموعه السخية : سبابتي (فدوة) للانتخابات، ولكن ماذا افعل في المستقبل، هل اغمس اصبعي الوسطاني 
في الحبر؟!.