الشاعر ضمد كاظم الوسمي القصيدة ولوعة العراق

ثقافة 2021/08/28
...

 وجدان عبد العزيز
 
حينما تقرأ للشاعر ضمد كاظم الوسمي، تجد الوطن حاضرا يمثل الحب والتمسّك بالأرض، والحقيقة ان الوطن يُعد أوّل وسيلة يلجأ إليها العربيُّ للتعبير عن مشاعره الجيّاشة، سواء كانت هذه المشاعر فرحاً أو حزناً، أو حنيناً، فهو مرآة تعكس مكابدات الشعر، وتعكس حالاته الاجتماعية والسياسية، وكان هذا في عمق حنين الشاعر للديار، التي تركها بسبب الحرب، او الجفاف فغادرها عنوة وقهرا، وأجبر بهذا أيضاً على الابتعاد عن المحبوبة، مما كان يترك في قلبه حسرةً وألماً بسبب هذا الفراق، ومثال هذا قول الشّاعر جرير وهو يتذكر ديار محبوبته، فيتمنى لو يستطيع العودة إليها، وبكل تأكيد تعمق هذا الشعور.
 لقد عرف عن العرب كثرة حنينهم لأوطانهم، حتى أن الجاحظ قال في رسالته الحنين الى الأوطان: {كانت العرب إذا غزت، أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملا وعفرا تستنشقه}، وهو ما حمله الشاعر الوسمي تعبيرا عن شوقه، وعن حضوره.. يقول في قصيدته {بغداد مهلا}: {بغدادُ مهلاً إِن ندبت غيابي/ أَنا من لحاظك سال دمع إيابي/ مُذ صرت أَنت الجُرح ينزف لوعتي/ ما ردَني يوماً إليك عتابي/ مُذ صار في قلْبي غرامك عندلاً/ أَو نسمة تغفو على أَهدابي}.
فتحدث الشاعر عن لوعة حبه وغرامه بمدينة بغداد، إذ يردد: {مذ صارت الأَشعارُ تعزف في اللّقا/ ترنيمة تذكي سعير عذابي}، ليثبت ان الشعر يرسم لوحة اللقاء وبغداد، ويكرر ذلك تعميقا لهذا التمسك:
{إن أَشرق الحدثان أَنت ضياهُما/ فالبدر أَنت وأَنت شمس هضابي/ بغدادُ نهرك والنّخيلُ خمائلي/ ضفتاهُ تُندي دهشتي وعجابي/ فنظمتُ في عينيكِ أَلف قصيدة/ ونسختُ من سحريك أَلْف كتاب}.
وكأن الشاعر يقول هنا دمت ودام تبادل الحدثان الليل والنهار، فبغداد هاجسي وحبي، ومن هنا أنظم اشعاري، لكن الشاعر يحمل في داخله لوعة الفراق، رغم انه في بغداد، وذلك بعلة قوله: {وعلى نضارتها تكالبت العدى/ حسداً من الْأَغراب والأَعراب}، فليس تكالب الاعداء فقط، انما هناك قسم من الاعراب يكيلون العداء والحسد لبغداد عاصمة بلاده العراق.. ويستمر الشاعر الوسمي يتغنى بالبلاد ويتغزل بجمالها، لكنه بلوعة واضحة، قائلا في قصيدة {عشق بلادي}: {أَدمى فُؤادي الْهوى وانتابني السّهر/ واصلْتني بالجفا فاجتاحني القهر/ كم فيك يا دجلة الأَحباب من حُلم/ يغفو فيلْهو الصّبا والنّخل والْمطر/ قطرٌ كأَوَّل يوم في الرّبيع همى/ في ليلة يتناغى الرّوض والقمرُ}.
ففؤاده مدمى، لكنه يسكر في اجواء طبيعة بلاده، وماضيها المشرق وسحرها التاريخي من خلال اجواء الف ليلة وليلة، لهذا يفخر بهذا الماضي بقوله: {بغدادُ عشق بلادي ليس يترُكني/ هواكما في شغاف القلب يعتمر/ بغداد يا شُعلة الماضي وحاضره}، فخلود بلاده انها شعلة الماضي والحاضر، رغم اغتيالات الاعداء والحساد لها، ورسم في قصيدته {وطني الذبيح} لوحة وجع من دسائس الاخوان، وهو يردد: {فصبراً يا عراق الْجرحِ صبراً/ كلانا من عُرى القربى جريح}، وكأني به يقول إن بلادي مستهدفة من الاعداء والاقرباء، بل ومن خونة الوطن اللذين همهم الوحيد اكتناز الفضة والذهب، وما أكثرهم، لكنه يواجه ذلك مفتخرا بوطنه: {جرى قلمي رغم الزّمان المُعاند/ وقد باء بالْخسران والإثم حاسدي/ أنا الْحقّ دربي والمكارم شيمتي/ أنا ابن الْفراتين الْعوالي سواعدي}. 
إن حب الوطن وتعزيز مفهومه أمرٌ يأتي مع الفطرة، لا يمكن تعليمه، لان حبه يأتي منذ أن يفتح الطفل عينيه ليرى أمامه أمه، فيبدأ مفهوم الوطن الصغير بالتشكل لديه، ثم يمتدّ ليشمل البيت، فالقرية، فالمدينة، فالوطن كله، وكلما كبر أكثر اتسعت رقعة الوطن في قلبه، وتحدّدت ملامح مفهوم الوطن في حروفه، لذلك سيظل الوطن بكلّ ما فيه أغلى المفاهيم التي نعرفها، وأكثر المفاهيم التي لا يختلف على تعريفها اثنان، لأن 
الوطن فوق الجميع، بل وان الشاعر الوسمي زاد مآثر جديدة لبلاده العراق بقوله: {علامَ تظْماْ وبرد اللّيل قرّاس/ هذا الفقار مشيم كبّرت يده/ وعطْر فاطمة وتر وأقواس/ دمُ الحُسين هنا أشجارُه بسقت/ أثمارها فارس تدعوه أفراس/ نوح وآدمُ في كوفان قد لحدا/ جنب الْوصيِّ به الأملاكُ حرّاسُ}.
فإن وطنه العراق هو مهبط الانبياء والاولياء الصالحين من نوح وآدم الى الامام علي العظيم الى الحسين صاحب الدم الطهور الذي رسم من خلاله أروع لوحة شهادة على مر تاريخ البشرية ودفاعه عن الحق، إذ يمثل عطر فاطمة الزهراء بضعة رسول الله. إذن العراق بلد
طهور ومجاهد.