الجمال كقضية في الحياةِ والفنِّ

ثقافة 2021/08/28
...

 تأليف: إليزابيث برَتجون
 ترجمة: زيد الشهيد
 
منذُ القرن الثامن عشر اكتشفَ الفلاسفةُ قابليةَ الانسانِ على الاستمتاعِ بالجميل. وعبرَ الفترةِ نفسها تنامت الدراساتُ التاريخيةُ للأعمالِ الفنيةِ بشكلٍ مُطَّرِدٍ في نطاقِ توسِّعِها وتطوِّرِها. والمثيرُ للدهشةِ! أنَّ مَجالَي البحثِ هذان ظلَّا منفصلين إلى حدٍّ كبير. 
ولقد ركَّزت الجمالياتُ الفلسفيةُ على تجربةِ الفردِ البشري في الجمالِ بعباراتٍ عامة: ماذا نَعني عندما نُسمّي شيئًا ما في الطبيعةِ أو الفنِّ {جميلًا}؟.. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ تاريخَ الفنِّ قد حضرَ إلى فئةٍ مُعينةٍ من الأشياءِ التي وصفتها المجتمعاتُ، في الماضي والحاضر، بـ {الفن}: ما هي خصائصُ القطعِ الأثريةِ التاريخيةِ التي تمَّ تقييمها من الناحيةِ الجمالية؟، تجمع الآراءُ التي نتداولها هنا بين الأشياءِ البشريةِ والأشياءِ المصنوعة. وتهدُف إلى مقارنةِ مسألةِ الجمال المجرد، كما تمَّ طرحُه منذ بدايةِ الجمالياتِ الفلسفية الحديثةِ في ألمانيا في القرن الثامن عشر، مع الأشياءِ الملموسةِ التي تمَّ صنعُها أو الاستمتاعُ بها في الفترة
نفسها.
كيفَ استجابَ الفنانونَ للمضارباتِ على الجَميل؟، ما هي الأعمالُ الفنيّةُ التي تُسمى جميلةً؛ ولماذا؟، لماذا نقولُ عن هذه الأعمال عندما نُسمَيها جميلةً، بدلاً من العثورِ عليها مفيدةً غنيَّةً بالمعلوماتِ، أو تنويريةً أخلاقية أو تقدميةً سياسية؟
تمثل هذه الأسئلةُ خروجًا مُهمًا عن الاهتماماتِ الأخيرة لتاريخِ الفنِّ الأكاديمي، والتي ركَّزت منذ السبعينيات في الغالبِ على مسائل السياقِ التاريخي والاجتماعي والسياسي.
ولقد بدا جمالُ العملِ الفنّي خلالَ الثلاثين عامًا الماضية ثانويًا بالنسبةِ للوظائف الأيديولوجية للعملِ في مفاوضاتِ الطبقةِ والسلطةِ والجنسِ والسياسة. 
وبدا حبُّ الجمالِ في أحسن الأحوال تهرّبًا أو هروبًا من مشكلات الواقع الاجتماعي، وفي أسوأ الأحوالِ طريقةً لدعمِ مكانةِ الأغنياء والأقوياء. صار يُنظر إلى الأَحكامِ ذات القيمةِ الجمالية على أنَّها ملوثةٌ بالارتباطِ بسوقِ الفن، أو بالمصلحةِ الذاتيةِ للأثرياءِ والأرستقراطيين. 
وفي الفترة نفسها، شعر العديدُ من الفنانين الممارسين بأنَّهم تحتَ ضَغطِ الاختيار بين المتعةِ الجَمالية والمشاركةِ السياسية. اختيارُ الأول كان فعليًا لمحاكمة سمعة بأنّه رجعي؛ لذلك شعر العديدُ من الفنانين أنَّهم، في الممارسةِ العملية، لم يكن لهم خيارٌ على الإطلاق. 
وقد رأينا أنَّ وجهةَ نظر أواخر القرن العشرين من الجمال التي تعارض بشكلٍ لا رجعةَ فيه أيَّ شكلٍ من أشكالِ السياسةِ المسؤولةِ قد تعرضت هي نفسُها للهجوم. وهكذا بدأ عددٌ من الفنانين والنُّقاد والقيّمين في الدعوة إلى اهتمامٍ جديدٍ بالجمال كقضيةٍ مُهمَّة في كلِّ من الحياةِ المُعاصِرة والفنِّ المُعاصِر، وأحدُ أهداف توجُّهِنا هو دعمُ مثل
هذه الدعوات.
وكما قالت الباحثة ويندي شتاينر (مواليد 1949)، في كتابها المؤثِّر {مُشكلةُ الجَّمال} The Trouble with Beauty، الصادر عام 2001: "أصبحَ استدعاءُ الجمالِ وسيلةً لتسجيلِ نهايةِ الحداثةِ وبدء فترةٍ جديدةٍ في الثقافة}. 
ومع ذلك، هناك خطرٌ يتمثَّل في أنَّ الموضةَ الجديدة للجمالِ في الفنِّ المُعاصِر لنْ تؤدي إلّا إلى عكسِ التحيِّز في أواخر القرنِ العشرين ضدّ الجمال، من دون إعادةِ تشكيلِ النقاش بمصطلحاتٍ أكثرَ دقَّةٍ. 
تَتمثَّل فرضيةُ في أنَّه يمكننا تعلم طرق أكثر تعقيدًا وتطورًا للتفكيرِ حول أسئلةِ الجمال من العديد من الفلاسفةِ ومنظري الفنِّ والنقادِ والفنانين الذين انخرطوا بجديَّةٍ في هذهِ الأسئلةِ منذ عام 1750.