تولستوي.. الشعر فناً وسيلته الانفعال

ثقافة 2021/08/30
...

  وليد خالد الزيدي 
 
حينما قرأت عددا من مؤلفات الكاتب الروسي يافيتش تولستوي (1828 -  1910) تيقنت بانه من بين أبرز الذين تأثروا بالأدب العربي واجناسه، ونقلوا صورا عن ماهية الشعر وادواته واساليبه عن المفكرين والفلاسفة العرب. يظهر ذلك في تبنيه نصوصا كثيرة وضعت الشعر واشكاله في مكانه السليم، وأسسه القوية، لكي يستند اليها المهتمون في آرائهم عن الشعر ووسائله في التأثير والانفعال لدى المتلقين، فضلا عن تأثره بروائع الادب العربي، فقد كان يسهر ليالي في غرفة جدته وهي تروي له حكاية (قمر الزمان ابن الملك شهرمان) وعلاء الدين والمصباح السحري وغيره.
رأى تولستوي الشعر كما رآه غيره من المفكرين والفلاسفة العرب بأنه صنف من فنون المحاكاة، وسيلته التأثير في المتلقين بما يحمله لهم من طابع درامي(فني)، شانهم شأن الاطفال. ابن سينا عد الشعر بانه كلام موزون نحيل اختص بلسان العرب بزيادة التقفية، فالشعر عند العرب وحدهم يتميز بالقافية ونقل عنه حازم القرطاجني ان الشعر كلام يميزه عن غيره عنصر التخيل، وكان الفارابي قد تحدث قبلهما عن الشعر، عادا اياه بانه المحاكاة وهي أعظم ما فيه من قوام وعلم الاشياء التي فيها محاكاة، كما وصف الشعر بانه (الاقاويل المخيلة). 
ايضا تولستوي ألحق الفن بدائرة العواطف الانسانية كما انه يقف موازيا لأفضل نظريات علم الجمال، وأعدّ الشعر فنا كباقي الفنون، وسيلته ايصال انفعال الشاعر الى المتلقي ليتأثر به ويتفاعل معه، حينما تتوافر فيه الاصالة وجدية العواطف المعبرة عنها، فضلا عن درجة الوضوح في تجسيد الشعر والتعبير عنه، كما عدَّ الشعر ضربا من النشاط الانساني الارادي، فهو لم يخالف القرطاجني، ولم يزد شيئا اليه، حيث يتجسد الصدق الفني المتحقق من الشعر، واحسنه ذلك الذي يكون التخيل فيه قويا وماثلا، بحيث يصدر انفعالا نفسيا بما ينقل له من صور مبدعة بتأليف عال في التعبير، فالصدق الواقعي او الخلقي لا يفيد الشعر شيئا اذا قصد لذاته، عادا هدف الشعر اثارة انفعال المتلقي من دون رؤية منه، وجعل للشعر سحرا بفضل الصور والايقاع اللذين يضعان الاخرين وجها لوجه مع الوجود الذي كشفه الشعر لهم، فالشاعر بحرفته القادرة على الاتصال بالناس، يمكن ان يكشف اسرارا يقدمها عن طريق اللغة الشعرية، بما تتميز به من وضوح اي انه كما القرطاجني وضع الشعر في دائرة (التصورات) (الانفعالات) الانسانية بمعنى انهما سعيا الى تحقيق الصدق الفني في الشعر ليكشف عن اسرار الوجود، فهما ابعدا الشعر عن المنافع غير الانسانية ليجعلاه مستقلا بذاته، وسيلته ليس سوى احداث الانفعال في النفس البشرية.