الموصل والنجف والسماوة.. ماذا قدمت الحكومات المحليَّة لثقافاتها؟

ثقافة 2021/08/30
...

 استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 
 
في المدن العراقية ثمة خصوصيات للثقافة والإبداع واللغة تتوافق مع بيئات مختلفة ومحيط إنساني متنوع، فالموصل التي تتنقل برشاقة وهيبة بين عروش من التواريخ والثقافات والاديان يحق لها أن تكون كنزا معرفيا وعلميا وثقافيا يعتز به العراق وأهله. 
أما النجف التي تتعانق فضاءاتها مع نخبة من القباب تتصدرها قبة علي ابن ابي طالب (ع) فضلا عن مدارسها العلمية والشعرية وإرثها المتنوع تاريخيا وعلميا حتى أن كل عارف يستطيع أن يتخذها مركزا لما يشاء من المعارف والعلوم والثقافات، في حين يمكننا أن نتأمل السماوة وهي تطل على الصحراء وقسوتها ورملها اللا متناهي وتحتضن بمدينتها وأريافها الفراتَ بكل لطفه وترافته وتاريخه وأساطيره، نتأمل تلك الثقافة وهي تتوافق 
مع كل هذا المزيج من المتناقضات والمتسقات من الحيوات بكل أشكالها وأعماقها.
اختلاف وتنوع هنا وهناك، لغات وأديان وطوائف وقوميات متعددة، لهذا كله يأتي دور الحكومات المحلية بفهم تلك الخصوصيات والتعامل معها إبداعياً بالتعاون مع النخب الثقافية عبر دعم يتناول تنوعها الاجتماعي والتاريخي والديني. 
تساءلنا عبر هذا الاستطلاع عما تقدمه الحكومات المحلية لثقافة محافظات الموصل والنجف والسماوة.
 
تهميش الوسط الأدبي 
في الموصل
الشاعر الدكتور احمد جار الله ياسين أشار في إجابته إلى أن أغلب الحكومات المحلية المتتالية في نينوى انتهجت موقف المقاطعة والتهميش مع الوسط الثقافي، ولم تقدم اي مبادرات عملية في ما يخص توفير البنى التحتية الثابتة للفعاليات الثقافية لاسيما التي يقيمها اتحاد الادباء أقدم مؤسسة رسمية في المدينة، لافتا إلى اقتصار التواصل مع الوسط الثقافي على مبادرات فردية من بعض الافراد من ذوي النفوذ، وبمنطق أشبه بـ (الفزعة) التي تدعم أحيانا بعض النشاطات ماديا ثم يتلاشى الدعم مع انتهاء المناسبة، وهو منطق ضعيف لم يستطع طوال سنوات أن يبني مقرا لاتحاد الأدباء او نقابة الفنانين، او يعيد إعمار قاعة مسرح او سينما.
وأضاف ياسين قائلا: ظل مبدعو المدينة مشتتين بين المقاهي يقيمون بجهودهم الذاتية والمادية بعض الفعاليات فيها او يستأجرون بيوتا كمقرات لنشاطهم، وبالشكل الذي لا يليق بمحافظة كبيرة مثل نينوى، فيها مئات المبدعين ممن نالوا جوائز محلية وعربية ودولية في الابداع على مدى سنوات..
أانا شخصيا فزت بجائزتين في النقد الادبي والتشكيلي بدولة الامارات.. ولم أتلق ولو كتاب شكر او تقدير من اي جهة رسمية.. بينما احتفلت رسميا دول أقراني من الفائزين بأبنائهم.. ومثلي زملاء آخرون عانوا من التهميش..
وقال أيضا: أتصور أن سبب عزوف الجهات الرسمية عن التواصل مع الوسط الثقافي كونه وسطا فقيرا لا يدر أرباحا مادية ولا امتيازات ولا نفوذا.. ولا مناصب مؤثرة في القرار.. وهو معيار تلك الجهات.. كما انه ظل عصيا على ان يجير لصالح طرف سياسي من دون آخر، فحافظ على استقلاليته بعناد ومبدئية عالية وكان الثمن اهمال دعمه او مساندته..
فضلا عن المستوى الثقافي المتدني لأغلب أفراد الطبقة السياسية عدا أفراد منهم يمتلكون الشيء الكثير منها لكن لاحول لهم ولا قدرة على تغيير نظرائهم واقناعهم بضرورة دعم الثقافة. 
ومن المفارقة أن بعضهم يحاول التودد الى الوسط مع اقتراب الانتخابات.. لكنه غالبا لا يفلح.. لأنه يدرك ان وعي المثقفين لا تنطلي عليه هذه الافعال التي سئم منها المثقفون.
ولعل رصيف الكتب في نينوى خير دليل على عجز الحكومات المحلية عن دعمه طوال ثلاث سنوات لولا دعم احدى المنظمات الدولية بإعادة اعماره وتأهيله ليكون جغرافية خاصة بالمبدعين في الهواء الطلق.
 
مطالب بطريق واضح 
للعمل الإبداعي
القاص عثمان جاسم محمود تحدث عن واقع دعم الحكومة المحلية في النجف للثقافة فقال: مما يؤسف له أننا لم نلمس أي اهتمام بالجانب الثقافي من قبل مجالس المحافظات السابقة على الرغم من تخصيص مبالغ كثيرة في فقرة موازناتها للثقافة. ناهيك عن عدم مشاركة أو تفاعل رئيس لجنة الثقافة بالمحافظة في الأنشطة الثقافية أو دعمها. وكأن الثقافة شيء هامشي عند المسؤول الحكومي. لم تدعم المقرات الثقافية والمؤسسات وأغلبها اعتمدت على التمويل الذاتي والخاص من قبل أعضائها وتبرعات بعض الميسورين. لا مسرح في المحافظة عدا قاعة اتحاد الأدباء والكتاب في النجف الاشرف. وقاعة المكتبة الأدبية المختصة ناهيك عن انعدام دار عرض سينمائي. 
وأضاف محمود موضحا: المؤلف يعتمد على جيبه الخاص في طبع الكتاب وتوزيعه كهدية لأصدقائه وللمؤسسات والمكتبات من دون الحصول على مردود مادي يغطي نفقات الطبع. مع العلم أننا في اتحاد أدباء وكتاب النجف الاشرف وضعنا خطة منذ الدورات السابقة للهيئات الإدارية وحتى الآن في طبع مخطوطات أعضاء الاتحاد دعما وتشجيعا لهم ومن ميزانية الاتحاد، تخلو المحافظة من مؤسسات ثقافية بنتها الحكومات المحلية عدا بناية قصر الثقافة التي أنشئت من حساب مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلامية وكذلك بناء قاعة في اتحادنا على حساب المشروع المذكور الذي تم وأده لأسباب غير معروفة. 
الفعاليات الثقافية في المحافظة تعاني من الاهمال وتجد صعوبة في الاستمرار بأنشطتها لعدم توفر الدعم المالي لها. المطلوب الآن عقد اجتماع موسع لإدارة المحافظة والمؤسسات الثقافية للاتفاق على ورقة عمل ترسم طريقا واضحا للفعل الثقافي وتخصيص مبالغ للدعم بكافة اوجهه وتنشيط حركة طبع الكتاب بمختلف التخصصات حتى يمكن توفير السبل المناسبة لحركة ثقافية واعدة تليق بالنجف وإرثها الحضاري والفكري.
 
الحكومات أهملت 
ثقافة السماوة 
الشاعر وسام الموسوي تكلم عن السماوة بوصفها مدينة شاعرة، مشيرا إلى انها كذلك منذ الحرف الأول في اوروكها العراقية أبدًا ومنذ كلمة المتنبي الأولى فيها، لكنها تعاني وبشكل واضح جدًا من عدم الاهتمام بكل ما يدعو للثقافة فيها، لافتا إلى أن الظلم الذي تعاني منه المحافظة ليس على الصعيد الثقافي فقط من حيث الإهمال للطبقة المثقفة فيها بل هو على الأصعدة كافة، مشيرا إلى أن المدينة للان تخلو من أي مكان يضم الأدباء باستثناء مقر الاتحاد لأدبائها وهو مقر لا يكفي لأعدادهم، ثم أن السماوة لم تقم أي مهرجان ثقافي منذ سنوات طويلة باستثناء مهرجان أيام اوروك الثقافية، الذي أقيم قبل سنتين، هذا المهرجان الوحيد الذي أقيم فيها ولم يحصد منه الشعراء سوى جِلسة مُصغرة ضمت عددا من شعراء المثنى الشباب بحضور الدكتور مدير الشؤون الثقافية عارف الساعدي الذي افتتح الجلسة آنذاك. 
وأضاف الموسوي مؤكدا: السماوة تعاني من غياب جميع المستويات التي تُنمي الثقافة فيها حتى كاد المثقف يحتاج الى أبسط الأشياء لكي يقدم محفزًا لثقافة هذه المدينة وتطويرها، في السماوة لا توجد دور للسينما، ولا أماكن يلتقي فيها الأدباء سوى المقاهي المنتجة!، أقول منتجة لأنهم رغم إهمال الحكومات المحلية حرص بعض الشباب المثقف الواعي على انتاج افلام قصيرة بجهود ذاتية ودعم ذاتي من قِبلهم فقط، خصوصًا في الفترة الأخيرة تم إنتاج أكثر من فيلم سينمائي قصير بجهود ذاتية والأفلام من انتاج مدينة الرميثة حصرًا وشبابها الواعي.
المخرج المثابر الشاب علي جابر فيلمين قصيرين (المغفل، ورغبة) وفيلم (حلم، الو) لوسام الموسوي، هذا على الصعيد السينمائي فقط، أنا أسأل فقط لماذا لا يتم الاهتمام بهذه المدينة ثقافيًا ودعم الطبقة المثقفة؟. 
لماذا لا يُخصص للأدباء في المثنى مسرحًا خاصًا لكل من يريد أن يقدم عرضًا مسرحيًا، منذ (10) أعوام أو أكثر، كل الاعمال المسرحية التي أقيمت في المثنى هي على الهواء الطلق وفي الشارع بين المارّة؟!. 
توجد في المثنى قاعة واحدة تسمى (قاعة الغدير) وهي المكان الوحيد الذي إذا أردنا ان نقدم شيئًا علينا ان نذهب الى مجلس المحافظة ونستجدي موافقة المحافظ وغيره من الاعضاء قبل سنوات وحتى بعد ان تتم موافقتهم يجب علينا ان ندفع مبلغًا ماليًا لا يقل عن (200 ألف دينار) عراقي.