فتح الله احمد.. ثروة فنية

الصفحة الاخيرة 2021/08/30
...

سامر المشعل 
خطفت يد المنون المؤلف الموسيقي المايسترو الدكتور فتح الله أحمد، تاركا لنا اعماله الابداعية وشريط ذكريات تجمعنا بشخصية متفردة بشغفها للموسيقى والعلم، فهو ثروة فنية من الانغام والمعرفة الموسيقية.
رحل عن عمر 64 عاما، وقد عانى في الايام الاخيرة من انتكاسة صحية المت به، أثناء اقامته في دولة الامارات العربية وعمله استاذا في احدى جامعاتها، فقد أصيب بورم سرطاني، وعند تلقيه جرعات الكيمياوي، أصيب بفيروس كورونا، الذي تسبب بتدهور حالته الصحية ورحيله.
الدكتور فتح الله احمد مواليد كركوك العام 1957 استطاع أن يكون شخصية موسيقية لها مهابتها واحترامها وعطاؤها في الوسط الفني العراقي والعربي. ويعتز كثيرا بقوميته التركمانية وتمكن أن يصهر الموسيقى التركمانية بما فيها من جمال ومقامات بممازجة ابداعية بالموسيقى العراقية.
وعشق الموسيقى منذ صباه، وصار لصيق الآلات الموسيقية، وتمكن من العزف على العديد منها، وانتمى الى الفرقة القومية التركمانية وهو في عمر 13 سنة، ثم قاده عشقه للموسيقى الى دخول معهد الفنون الجميلة في بغداد، وواظب على حضور حفلات الفرقة السيمفونية العراقية، حتى تولدت في داخله رغبة أن يكون احد اعضائها ويعزف معهم بزيهم الانيق، ليتحول الحلم الى حقيقة، في العام 1977 اذ تم قبول انضمامه الى الفرقة السيمفونية كعازف لآلة التشيلو.
لم يتوقف طموح فتح الله عند هذا الحد، انما أكمل دراسته في الموسيقى ونال شهادة الدكتوراه من جامعة اتاتورك في تركيا.
وتعددت خطوط اشتغال فتح الله أحمد بين التأليف وتوزيع الاغاني والتلحين والغناء وبرع في اداء الابتهالات الدينية وقيادة الفرق الموسيقية، حتى تسنت له قيادة الفرقة الموسيقية بالاذاعة، ثم تولى قيادة الفرقة الموسيقية للفنان كاظم الساهر وشهد معه نجاحاته على صعيد النجومية العربية.
أصبح الموسيقار فتح الله محط انظار المطربين والملحنين الشباب في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فقد وجدوا في موسيقاه لمسات روحية تمنح الاغنية اضافات سحرية من خلال صنعة تعتمد الهارموني وتضفي على الميلودي جمالا ورصانة، لذلك اتجه اليه اغلب نجوم الغناء آنذاك لتوزيع اعمالهم ومنهم الفنان كاظم الساهر ومهند محسن وحاتم العراقي ونمير عبد الحسين وجلال خورشيد وعبد فلك وغيرهم.
وجد الفنان كاظم الساهر ضالته بالفنان فتح الله أحمد في ترصين اعماله موسيقيا ضمن مشروعه العربي، لما يمتلكه من ثقافة واسعة وذوق موسيقي وابتكارات في ادخال الآلات الموسيقية واطلاعه على موسيقات الشعوب، فوزع مجموعة كبيرة من الاعمال الغنائية والقصائد للساهر، خصوصا في بداية مشواره الفني ومنها: «بغداد، انا وليلى، زيديني عشقا» وغيرها. 
وكان الساهر يعود الى فتح الله احمد عندما يجد أغنية ذات مسحة عراقية، فهو خير من يجيد التعامل مع الموسيقى العراقية.
قبل انتكاسته الصحية كنت على تواصل مع الفنان فتح الله احمد، وقد أخبرني بفرح طفولي ان الفنان كاظم الساهر قد اتصل به وابلغه بتوزيع أغنيتين جديدتين.
وبشأن العلاقة الابداعية المتبادلة بين الساهر وفتح الله، فلا بأس أن نتطرق الى أحد الاسرار بينهما، وهو ان المخرج حسن حسني، اختار الفنان فتح الله احمد، لوضع الموسيقى التصويرية لمسلسل «الاماني الضالة»، وتقديم تايتل المسلسل بصوته، الذي كتبه الشاعر حسن الخزاعي.
وبعد الانتهاء من تلحين التايتل ووصوله الى مرحلته النهائية بتركيب الصوت، أعجب كاظم الساهر بالعمل ووجد فيه فرصة ذهبية للظهور، وطلب من فتح الله احمد أن يقدم التايتل بصوته، مقابل أي مبلغ يطلبه، وهو سيوافق من دون نقاش، فوافق فتح الله على العرض المغري الذي قدمه له صديقه، وفي يوم تنفيذ العمل دخل المخرج حسن حسني الى الاستوديو، وفوجئ بأن الساهر يروم ادخال صوته على التايتل، فغضب ورفض وقرر الغاء الموضوع، كون الاتفاق هو ان التايتل يكون بصوت فتح الله، فكان موقفا محرجا للساهر وفتح الله، الامر الذي جعل الساهر يغادر الاستوديو وينسحب، وعاد الدكتور فتح الله وادخل صوته على التايتل، وكان من الاعمال المتميزة التي اظهرت امكانيات الموسيقار فتح الله احمد في التأليف الموسيقي والاداء التعبيري كمطرب.
الموسيقار فتح الله احمد هو نموذج مشرق للموسيقي العراقي، على مستوى عطائه الابداعي والاكاديمي والعلمي من خلال ادارته لمعهد الدراسات الموسيقية في بغداد وعمله استاذا للموسيقى في العديد من الجامعات العربية في الاردن ودولة الامارات العربية. وآخر لقاء تلفزيوني ظهر به الموسيقار فتح الله احمد كان في العام الماضي في برنامج «ضي الكمر» على قناة mbc عراق.