في جلسة ثقافية حوارية نظمتها الفنون الموسيقية..الردات الحسينية وطقوس الثقافة المعاصرة

الصفحة الاخيرة 2021/08/30
...

 بغداد: نورا خالد 
 تصوير: رغيب اموري 
تحت عنوان «الردات الحسينية وطقوس الثقافة المعاصرة»، اقام المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية في دائرة الفنون الموسيقية محاضرة تناولت فيها مديرة المركز الباحثة اسراء المرسومي عدة محاور حول الطقوس الحسينية في عاشوراء، وادارت الجلسة الاعلامية عطارد عبد الخالق التي بدأتها بالقول «لك يا ابا الاحرار سفر خالد، في كل محفل ذكره.. وكتاب، تبقى منارا للهدى، وهداية، وطريق حق صادح وصواب»، ثم اعتلت المنصة المرسومي قائلة «الردات الحسينية شكل ترتيلي ديني انشادي حزين، ونصوصها الشعرية مرتبطة بذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام والصراع بين الحق والباطل ورواية ما حدث في واقعة الطف بيوم عاشوراء الاليم». 
 بغداد: نورا خالد 
 تصوير: رغيب اموري 
 
تكتب الردات الحسينية اما باللغة العربية الفصحى او باللهجة العراقية الدارجة، اما مساراتها اللحنية والايقاعية والادائية فهي تحاكي في مجملها التراث والموروث الموسيقي العراقي، لان العراق صاحب الرئاسة والريادة في ابتكار شكل الردات الحسينية، اما عن الشكل الفني الموسيقي العام الذي تتميز به الردات الحسينية فهي تتميز بالتصاق الحانها وانتسابها الى الثقافة العربية من خلال اعتماد المؤدي او الرادود الحسيني على اجناس وانغام موسيقية تنتمي الى البيئة العربية وبالتحديد العراقية، ويتجسد ذلك في عقدة المخالف وبعض الانغام والمقامات العراقية الخاصة بالموسيقى العراقية مثل الخنبات والمنصوري والمحمودي وغيرها ولم ألحظ اي تحولات او دلالات في استخدام مسارات لحنية غربية مثل السلالم الكروماتيك والدياتوليك، كما ان المسار اللحني من النوع المتدفق بمعنى مسار الردات الحسينية يعتبر ضمن تقنية الالحان المتدفقة التي تستخدم الابعاد الموسيقية من انواع الثانيات والثالثات التي تعد من التقنيات التي تتميز بها الموسيقى الشرقية بشكل عمومي والبعيدة عن الموسيقى الغربية، كما ان الحان الردات الحسينية تتميز بالبساطة والقصر والتكرار وهذه هي اهم ثلاث ميزات موجودة في الردات الحسينية. 
 
شخصية الرادود الحسيني 
للرادود الدور الكبير في تنظيم مسيرات الجموع المعزية، اعتمادا على الايقاع الذي تقرأ به القصائد الحسينية ويعتبر الرادود الحسيني هو المخطط الاول لسير المجالس الحسينية وهو القائد تقريبا الاول لها وهو الذي يعطي ايعازا للمعزين بايقاع القصيدة (اللطم باليد او بالزناجيل) وهي من مميزات الرادود الحسيني الناجح، كذلك يجب أن يتمتع بالشخصية القوية لكي يستطيع أن يسيطر على هذه الجموع ويستحوذ على قلوبهم، وكذلك يتميز بالصوت الحسن الجميل وقدرته على التعبير والاداء لمعاني الكلمات والقصائد التي يؤديها، كما ان الرادود الحسيني الناجح يكون موهوبا بتنغيم وتلحين القصائد الحسينية، لانه المؤدي الاول لها فيختار النغم او المقام او الطور الموسيقي الذي يتناغم مع معاني وكلمات القصيدة وبعضهم يذهب الى ابعد من ذلك في موهبته، بأن يمتلك الاذن الموسيقية القوية بحيث يستطيع أن يميز الانغام فيعلم ان هذا النغم حجاز او سيكا او رست بمعنى انه يميز الانغام والمقامات وفي كثير من الاحيان يتفق الرادود الحسيني مع الشاعر على أن يكتب الشاعر على نغم معين او طور معين او ربما اغنية او لحن شهير معين فيكتب الشاعر القصيدة مركبا الكلام مع النغم او الطور المطلوب منه، واضافت المرسومي «يتدرب الرادود الحسيني على القصيدة قبل تقديمها امام الجموع بشكل مستمر وكاف بحيث عندما يقف امامهم يكون قد سيطر على اللحن والكلمات ومما لفت انتباهي وهي بادرة طيبة من بعض الرواديد انهم لا يتقاضون اي اجر مادي في مقابل المجهود الذي يبذلونه وانما يقومون بعملهم ابتغاء للاجر والثواب والبعض الاخر يأخذ اجرا لكنه لا يحدد اجره وانما يأخذه بصفة اكرامية وهناك العشرات من الرواديد الحسينيين الموهوبين والذين يتمتعون بهذه الشخصية»، وابرز الرواديد الحسينيين بالنسبة للشارع العراقي:  عبد الزهرة الكعبي وحمزة الصغير وباسم الكربلائي وهادي الكربلائي ورضا الطويرجاوي. 
 
الأنغام والأطوار الموسيقية 
تؤدى الردات الحسينية بجميع الانغام والاطوار، الا ان هناك تركيزا بالنسبة للرواديد الحسينيين على بعض الانغام، بينما هناك انغام اخرى اقل استخداما من غيرها وقالت المرسومي عن هذا المحور «من الانغام والاطوار نغم البيات والذي يستخدم كنغم اساسي في الردات الحسينية ويخرج من نغم البيات مجموعة من الاطوار مثل طور النعي البياتي وطور الدشت والطور العراقي البيات وطور تخميس بيات وطور القطيفي والذي يؤدى بان يكون صدر البيت بنغم السيكا وعجز البيت يقرأ بالبيات، اما النغم الثاني فهو الحجاز اذ تؤدى الردات الحسينية بهذا النغم كنغم اساسي ويخرج من نغم الحجاز العديد من الاطوار منها طور العاشوري، طور التخميس حجاز، طور العراقي حجاز ويؤدى بطريقة اداء وايقاع العراقي بيات نفسها بمعنى ان العراقي حجاز والعراقي بيات يؤديان بالطريقة الايقاعية والادائية نفسها، الا انه هنا يؤدى بنغم الحجاز وهناك يؤدى بنغم البيات وكذلك من الاطوار التي تؤدى بنغم الحجاز طور «الدللول». وبينت المرسومي «يستخدم نغم السيكا كنغم اساسي في تلحين او تنغيم الردات الحسينية ويخرج من نغم السيكا طور الركباني وطور الحدي سيكا، اذ يؤدى باربع طرق مختلفة، كما يستخدم نغم العجم ايضا ولكن بصفة اقل من المقامات السابقة ويخرج من نغم العجم طور المقتل الحسيني وطور الزريجي وطور الحدي عجم وكذلك هناك انغام مثل النهاوند والرست والكثير من الانغام والاطوار التي تستخدم في الردات الحسينية». 
 
شعراء الردات الحسينية 
يقسم الشعراء الحسينيون الى ثلاثة اقسام حسب طريقة تناولهم لواقعة الطف واستشهاد الامام الحسين(ع) وذكرت المرسومي ان «المجموعة الاولى يأخذون الحادثة من النواحي الانسانية والثورية والفكرية وهو ما يبرز الشخصية القوية للحسين عليه السلام وآل بيته الاطهار ويذهبون الى الاقلال من البكاء والثبات على الحق والمبادئ والجرأة والسمو في اتخاذ القرار حتى وان ادى هذا القرار الى استشهاده واكثر من كتب في هذا الجانب هم شعراء اللغة العربية
الفصحى. 
اما المجموعة الثانية فهم يدعون الى الجانب العاطفي المأساوي الذي يثير النحيب والبكاء واكثر قصائدهم جاءت باللهجة العراقية العامة ويدعون الى الحزن الشديد على ما حدث في واقعة الطف وعلى حادث استشهاد الامام ويسمون بمثيري العواطف، اما المجموعة الثالثة والاخيرة فهم يميلون للتوازن والوسطية بين ما هو عقلي وفكري وما هو عاطفي وحسي اي يميلون الى الاتزان بين الفكر والعواطف، لان مأساة الامام الحسين عليه السلام تثير في نفوس المسلمين العِبرة والعَبرة وبالتأكيد فقد كتبت القصائد الحسينية في مختلف بحور الشعر الفصيح وفي معظم الاوزان الشعرية الشعبية العراقية ومن اشهر من كتب القصائد باللغة العربية الفصحى، محمد مهدي الجواهري والشريف الرضي ومحمد حسين كاشف الغطاء اما شعراء القصائد الشعبية فهم كثر نذكر منهم جابر الكاظمي وهاشم الموسوي ومهدي الكاظمي وحيدر الحلي وعبدالخالق
المحنا». 
 
الآلات الموسيقية المستخدمة 
اما الآلات الداخلة في الردات الحسينية فقد قسمتها المرسومي الى قسمين «الاول هو الآلات الايقاعية المتمثلة باربع آلات «الدمام المضلع والنقارة والطبلة والصنوج»، والثاني هو الآلات الهوائية التي قسمتها ايضا الى قسمين هي «الترامبيت والهورن الذي يقسم الى اربعة اقسام الحجم الكبير والوسط والاصغر من الوسط والصغير»، ولا تتقيد المواكب الحسينية بعدد الآلات الموسيقية فكل موكب له عدد من الآلات حسب حجم الموكب وتقسم فرق الآلات الموسيقية التي ترافق مسيرات التشابيه والزناجيل واللطم بالايدي الى اربع فرق هي فرقة النقارات وفرقة الدمامات وفرقة الآلات الهوائية والتي تسمى بالشعبي الابواق وفرقة الطبول»، وبعد أن انتهت مديرة المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية اسراء المرسومي من القاء المحاضرة فتح باب المداخلات وكان اول المتحدثين الدكتور علي عبد الحمزة الذي اوضح ان «الردات الحسينية كانت وما زالت تمثل تعبيرا حقيقيا ليس فقط عما يدور في النفوس من آلام استذكار الواقعة، بل وتمثل ذوقا واحساسا مرهفا. 
حرص الشاعر والمؤدي أن يختار ما حسن من المفردات واللحن الجميل لكي يحاكي تلك المشاعر ويقدمها بما يوازي ذلك الالم، لذلك بنيت تلك الردات على مقامات وايقاعات تألفها اذن المستمع وتستقبلها بكل ارتياح، لذلك تخلدت بعض الردات لتصبح ثيمة يتداولها الناس في احاديثهم اليومية مثل «جابر يا جابر، ما دريت بكربلا شصار من شبوا النار»، ففي تلك الردات حرص الشاعر أن يقدم نتاجه بصورة مسرحية، كي يجسده امام المستمع بسيناريو او بانوراما متحركة امام الاعين، بل وذهبت بعض الردات الى أن تكون وتبنى على لحنها وصياغتها اغان عاطفية لحلاوة تقطيعها الشعري والموسيقي مثل اغنية الراحل صلاح عبد الغفور « يمة اذكريني من تمر زفة شباب» التي جاءت على وزن الردة الحسينية بالضبط»، وبين «اكتسبت الردات الحسينية درجة نجاحها وقبولها قياسا مع درجة انفعال الشاعر وما يستخدمه من رموز تفضي الى فهم كبير لتلك الواقعة كما انها اكتسبت نجاحا من خلال الايقاع ودرجته الذي حافظ على علاقة النص بالصورة
الحسينية». 
 
طقوس سومرية
واشار الزميل الصحفي والناقد الفني سامر المشعل الى ندرة البحوث والدراسات التي تسلط الضوء على طقوس العزاء الحسيني من الناحية الاكاديمية من قبل متخصصين في مجال البحث الموسيقي والمسرحي. واصفا ما قامت به الباحثة اسراء المرسومي بالشجاعة الادبية، وتطرق المشعل الى أن «تقسيم الغناء الى ديني ودنيوي لم يكن وليد العصور الحديثة، ولم تنطلق مواكب العزاء بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام، انما هذه الطقوس ترجع جذورها الى السومريين، فقد كانت تسير مواكب العزاء الجماعي بكل دقة وتنظيم».
وختم المشعل حديثه بسؤال مثير للجدل يتطلب البحث والدراسة من المعنيين ، وهو ما سبب تحول الغناء بالآونة الاخيرة الى لطميات، والردات الحسينية تحولت الى الحان عاطفية؟!، مؤكدا ضرورة البحث في هذا
الجانب. كما كانت هناك مداخلة للدكتور سامي هيال تناول فيها اشهر الردات الحسينية وابرز كاتبيها ومؤديها، خاتما باداء بعض من تلك الردات بصوته، ونال استحسان
الحضور.