مسرات أساطير القسوة

ثقافة 2021/08/31
...

 ناجح المعموري 
 
هذه رواية تمنح المستورات منذ بدايتها، استهلالها النازل عميقاً بالعلاقة التي يقترن بها الانسان مع السلطة، لكن الملتقط الكي في هذه الرواية اختزل مرويات كبرى عبر تاريخ طويل، وعميق، وارتحال تلك المرويات الى زمن معاصر، يعني بأن العلاقة مع السلطة نوع ثقافي من الاساطير، يذهب الكثير من الافراد اليها ويتعاملون معها بوصفها اشباعات حسيّة متوفرة، ومعروضة لحظتما يشاء الكائن الذي يُدمن العلاقة معها، وتتكرس مثل هذه الاسطورة الثقافة، الشائعة ضمن محكيات القوة والازاحة والبطش واسطورة الجسد ليست جديدة، بل هي بدئية عرفتها الاساطير المبكرة وقد تحولت الى سيرورة محكيات، لان الجسد مشدود للحظته وعنفوانه، خصوصاً جسد المذكر الذي اعتاد الاختبار الكاشفة عن ذات لا تعرف السكون، بل تذهب نحو التوق والاتصال، واختبار الانا في شوقها الذي يتضاءل حتمياً، لان العلاقة الخلاقة للجسد الثنائي مذكر/ مؤنث يصبها السكون، بسبب فقدان الروح المتشوقة التي تجعل من لحظة التماس زمناً متوتراً بالابتكار، ودائماً ما اشارت السيميائية في فحصها للجسد المصاب بالهووس الذكوري الى انها كاشفة عن تواجد قوي في المذكر وضعف في المؤنث، لكن الذي كشفت عنه رواية الاستاذ علي الفواز «مسرات السود» قدمت صورة معكوسة، لان الانغماس يُرمد اللذة في جسد المذكر ويصيبه الذبول. 
لذا كانت الدهشة والاستغراب لان الراوي البطل بذكورته وجنونه بالجسد الانثوي، وجد نفسه مصاباً بالصدمة لأنه اكتشف بشكل مفاجئ، قد فقد مخزون ذاكرته مرة واحدة، وهل كانت وجوه الذاكرة التي يعرفها حقيقة ام هي بعض من الخداع؟، هذه الاسئلة توجه مثل علبة صفيح عتيقة، لا شيء يأتيه سوى اصواتها الخشنة والمبعثرة وربما بدت هذه الاصوات تشبه عارياً يخترق روحه، فالفقد والضياع هما اشد وجهاً في ما يحدث له.
العطل لعبة السلطة وهو امهر خطاب لديها، تقود المعارض المجنون وتعطله بهدوء ويخسر مخزونات ذاكرته، حتى لا يوظفها ويستعين بها لمقاومة اللحظة الازاحية القاهرة الخسران هائل، مزاولة الفعل واستعادة الصورة التي صاغت خزانه الكلي. ومثلما قال سعيد بنكراد: ان الصورة ناتجة عن حاجات عميقة عند الانسانية: حاجتها في ان تمثل نفسها او تمثل اعماقها، وتقوم بتمثيل العوالم المرئية، وغير المرئية وتلك وسيلتها للكشف عن هذه التمثلات، وبذلك فإنها تخلق كوناً يضاعف وينشطر ويشكل بذلك وجوداً موازياً للكون الاصلي، بغاية التحكم فيه وتطهيره احتفاء به وتأكيد وجوده المخصوص/ تجليات الصورة/ ص26. 
العلاقة الجنسية مع الاخر مكشوفات للذكورة ولا يقوى الذكر على سترها واخفاء طوفان الجمال عليه. لكن ذاكرته تخزن جماليات التبادل العنيف الذي بين الاثنين، لكن الراوي المخصي خسر كل شيء وفقدت الانثى اسرار جسدها في متن ذاكرته.
وعلى الرغم من تكتم الاستاذ الفواز على هذه الرواية السياسية التي عرف بالكثير من تفاصيلها الرمزية، على الرغم من تمركز الترميز السياسي. ومعلوم بأن العطب اخطر مزاولات السلطة ضد معارضيها، انها كما قال الفواز رواية ماكرة، مكتوبة بنفس سياسي، لكن الرمزية عالية، الجنس والخطيئة والدنس فيها هو تمثيل لإدانة فكرة او السلطة ما.. انها كانت تمثيل لرمزيات سياسية، تتصارع وتتوهم وتنكسر لإدانة فكر ما. 
الاحباط والخذلان كشف عن الانهيار الذاتي والفشل الكلي الذي ترك الفاشل مهملاً وخاضعاً، معطلاً الان حلول التوهم بالإمكان قتل روحي للكائن الذي عرف جيداً ما كان يعنيه الحوار التبادلي مع الانثى عبر الاتصال وتم تدمير كلي العالم الذي كان ملهى كبيرا ولياليه لا تختلف عن ليالي الشبق والسكر والرذيلة.
تعددت الشخوص في رواية «مسرات سود» للناقد علي الفوز وتنوعت، لكن تنوعها لم ينقذها من التماثل والدوران وسط مدورة الجسد والدنس، الشرف والخطيئة وسيادة السلطة وقسوتها في اليات تدمير الانسان وتعطيله، السياسة وقحة مثل الرذائل. البقاء باستمرار بالتجاور مع السلطة، يتوجد على حلقاتها التفكير بآليات تدمير الانسان الذي يحلم
بالتغيير.
الخذلان القضيبي، فقدان لرجولة كانت صاخبة ووظفت اصابعها، ومن ثم لم يكن مهاوي غير رجل دنس وحسان المصاب بالخرس مع غيره. لان الناقد لكورته معطل عن الكلام.. سكوت لسانه، هو رامز معروف على الاتصال والتبادل من يفقد طاقته على الحضور لا يختلف عن مهاوي الذي يزاول وظيفته اليومية بالتعطل وايقاف الفعل الذكوري.
يعبر الحلم عن التوتر الفردي لدى الفرد، كذلك الاسطورة مثلما قال فرويد يمكن أن تفسر باعتبارها حلم شعب وتعبر عن تحولات الغرائز الجنسية الجماعية من خلال المحرمات الالهية وتمرد الابناء على محرمات الاباء وتهويل العنف والاغتصاب او توجيه الغريزة الجنسية نحو موضوع ثانوي، ويفضل التقاء الغريزة والمواقف الاجتماعية.
رواية «مسرات سود» ليست ابتكاراً في السرد، لكنها قدمت كشوفاً عن الدكتاتور الذي يفرط كثيراً بممارسة الخطيئة، ومن ثم يعطل طاقات الفرد المعارض، والنشط حتى يظل هو الوحيد المزاول لفحولته، المعبر عنها بالافتضاض والقتل واللواط وقطع الالسن وتعطيل الاصابع.. واذا كان الزعيم المختفي فإن مهاوي هو تمثيل له.
أخيراً رواية ازدحمت بالأساطير.. لان الجسد المذكر والمؤنث له غرائبه ولا معقولياته وعجائبه.. انها سردية جميلة على الرغم من التكرر الذي كان وظل نوعاً من ايقاع تكرارات البدئية.