سلمان العابث بالشعر

ثقافة 2021/09/01
...

د. أحمد الزبيدي 
 
لا نعرف له نسبًا شعريًّا ولا قبيلة جيلية عشرية، فالنقاد النسّابة اختلفوا في نسبه لأن المسافة بين دفتر نفوس مواليده ودفتره الشعري الأول مسافة بعيدة ومفارقة!، ولم يكن عاقرًا عن الشعر وقوافيه حتى يلد متأخرًا ولكن سلمان داود محمد تملؤه المفارقة في كل تفاصيل حياته.. أليس إيقاع قدميه مفارقة؟. 
ولم يغادر منطقة (قصيدة النثر) يوما فكان مؤمنًا بها ومخلصًا لها رغم عبثها العارف كما وصفتها ووصفته أيضا الناقدة الدكتورة بشرى موسى صالح في الواحد والمتعدد.. ومنذ غيومه الأرضية تتوهّج السخرية في شعره معبرة عن أقصى درجات الوعي عنده، فهي كما وصفها سارتر: ( إن الإنسان في أثناء السخرية يرفع ما يضعه ويدعو إلى التصديق حتى لا يصدق ويثبت كي ينفي وينفي كي يثبت)، ولعل هذه السمة الأسلوبية نجدها بوضوح أعلى في مجموعاته الأخرى: علامتي الفارقة، وازدهارات المفعول به وهنا بغداد و واوي الجماعة وسعفة كلام ودمعة في صندوق البريد.. 
  اتجهت قصائده بعد الاحتلال إلى نقد ساخر للمظاهر السلبية في الحياة اليومية، موظفًا الأسلوب المحكي واليومي ليكون جسدًا شعريا لتجربته وحاول التفرد بالأسلوب اليومي عبر اقتناص دوال لسانية ذات شحنات سيميائية تختزل الدلالة وتكثفها.. أقول: سلمان تفرد في قصيدته النثرية ذات الحمولات الدلالية الكثيفة والمتجاوزة للمألوف بلغة مألوفة!، وهذه خاصية من خواص القصيدة العراقية الحديثة حين تتولى نهج السخرية والمفارقة، وهل يمكن أن تكون المفارقة بغير اللغة المألوفة؟. 
وحين تتوجه لقراءة كتاباته النثرية لا تجدها بعيدة عن قصيدته، فكلاهما يحمل قصدية عالية في التعبير عن همومه والسخرية من تلك الهموم في الوقت نفسه.. فسلمان الشاعر والمثقف يتمنى لو عاد به الزمن أن يكون (سائق رافعة شوكية) والشخصية الوحيدة الماضية التي يتمنى اللقاء بها  (العراق) .. فهو حالم ساخر.. لا تغادره المفارقة الساخرة في حياته ولا في أحلامه، ومماته..  وإذا كان العالم من دون سخرية كغابة بلا طيور فإن قصيدة النثر العراقية من دون سلمان تشبه مشيته..  ويا وجع الدال (كان) الذي كثر استعماله في هذين اليومين فقط للكلام عن سلمان الكائن العابث.