مريدي.. سوقٌ للبضائع ومسرح للحياة

الصفحة الاخيرة 2021/09/01
...

 بغداد: نوارة محمد 
هنا بين جدران مغبرة وعلى ارصفةٍ غير معبدة، يفترش صناع الحياة هذه الارض، بوجوه معاندة تتشبث بقليل من الامل والحياة، هنا تفترش الارض لعرض منتجات من شتى الاصناف، يرّوجون لها بأصوات كادحة تصدح من زوايا الطرقات، أصوات ممتزجة بنكهة خاصة، هناك قليل من الاغنيات وكثير من العبارات غير المفهومة أحياناً، يطلقها الباحثون عن صلابة الاستمرار .
هنا، تتسارع الخطوات بحالة يأس وقليل من روح الدعابة لتقلل ثقل حمولة الساعات، انها مدينة بعثرة الأحلام وضياع الامنيات، ممن كُتب عليهم العيش بفقرٍ دائم {مدينة الصدر}.
 في مدينة الصدر {الثورة سابقا} يعد سوق مريدي الذي يقع شرق بغداد اهم اسواقها الشعبية واكثرها شهرة بين الاسواق، ليس لرخص اسعاره، وتنوع منتجاته، بل لأن رواده من ذوي الدخل المحدود، ويجدون دائما سبلاً لمواجهة وحشية اقدارهم في هذه البقعة التي ينخرُ الخراب عظامها، ليقضوا هنا ساعات طويلة في البحث في اكوام السلع بمتعة وشغف كبيرين.
{الصباح} زارت السوق والتقت {ام جاسم} التي تفترش الأرض يومياً لبيع السمك، وأخبرتنا عن رحلتها الطويلة في سوق مريدي، قائلة: {بدأت العمل هنا منذ اكثر من خمسة وثلاثين عاما، ولم يكن لدي خيار آخر، وجدت نفسي هنا، وفي هذا المكان اعاند القدر بعد موت أبي، واخترت هذه الزاوية لقربها من منزلي}.
ام جاسم تضيف {انا, من المفترض أن استريح في آخر محطات حياتي, لكني لسوء الحظ ليس لدي سوى أن ارقد بجانب السمك يومياً، حاملة في حقيبتي علب الدواء الخاصة بامراضي المزمنة، انا افضل الموت قرب السمك مثلما فعل ابي منذ زمن 
طويل}. 
وبصوت ممتزج بالمعاناة، يروّج السيد ابو احمد لخضاره، انه واحد من اولئك الشبان الذين يحبون الحياة، ويواجه مصيره بشجاعة وفرح لذيذ، رغم مرارة الواقع، ويخبرنا: {نحن نواجه الخوف من الجوع والتشرد، والخوف من مستقبل مجهول، ولم اختر هذه المهنة، بل فرضها عليّ القدر مثل آلاف الشبان، أجبرت على ترك مدرستي وصفي الذي أحب، واستبدلت مقاعده بالجلوس في {بسطية} صغيرة لا تسع أحلامي لكنها تكفي لأن تسد جوع
اخوتي}.
أخيراً، خرجنا من أزقة السوق والحزن يملأ نفوسنا، وتساءلنا: أي مدينة صعبة هذه التي لا يعرف شبانها وفتياتها سوى مواجهة فكرة ضياع الأحلام بالفن والأغنيات، في عالم موحش يكادون أن يكونوا منسيين فيه رغم اختلاف هوياتهم؟.