لا تقف استذكارات محبي آل البيت عليهم السلام وصحبهم الكرام على العشرة الأولى من أيام محرم الحرام بل تستمر حتى اليوم الأربعين.
والمسلمون يحتفون كل عام في مقتبل شهر محرم الحرام باستذكار الإمام الشهيد عليه السلام على مدى الأيام العشرة الأولى من الشهر الفضيل, ويكون لكل مجلس من مجالس العزاء خطيبه, وحضوره, ثم يستمر الاحتفاء بعد هذا, ليتكامل أداء مراسم دفن الشهداء, استذكاراً وتشبهاً.
في الليلة الأولى يكون الحديث عن الأهلَّة والأشهر الحرم وضرورة إقامة المجالس في ايام أستشهاد الأئمة.
في الليلة الثانية يستمر الحديث عن فضل آل البيت وذكر أحوال الإمام الحسين (ع) وخروجه من الحجاز بعد حديثه مع السيدة أم سلمة ومحاورته أخيه محمد بن الحنفية وابن عباس, وقد يقرأ الخطيب مصيبة فاطمة العليلة بنت الحسين عليه السلام التي تركها الأهل في المدينة المنورة.
في الليلة الثالثة يتحدث الخطيب عن مسير الموكب الحسيني في الفيافي حتى وصوله أرض كربلاء مع ذكر جلال وهيبة الموكب, ورجوع السبايا وزينب عليها السلام وهي تشكو الى جدها محمد عليه الصلاة والسلام عند قبره المنير.
في الليلة الرابعة يصور الخطيب مقارنة الخروج مع الرجوع وملاقاة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري وتبادل الشكوى وصور الأحزان.
في الليلة الخامسة أحداث نكبة الشهيد مسلم بن عقيل بن أبي طالب.
وفي الليلة السادسة يكون حديث خطيب المنبر الحسيني إما عن أحداث مصرع الحر أو حبيب أو عن أحوال النساء وأم وهب, أو تفاصيل الحياة الداكنة في مخيم الأنصار.
والليلة السابعة هي ليلة الإمام العباس بن علي (ع), وقد تعارف الخطباء على اعتبار هذه الليلة هي ليلة الإمام العباس عليه السلام لأنها الليلة الأخيرة التي جاء بها الإمام الشهيد بالماء الى المخيم, علماً أنَّ أول شهداء الهواشم هو علي الأكبر.
تكون الليلة الثامنة ليلة الإمام القاسم بن الحسن المجتبى عليهما السلام وهي ليلة زفافه لسكينة واستشهاده بين يدي عمه.
ويكون حديث المجالس في الليلة التاسعة عن علي الأكبر، وفي الليلة العاشرة يكون الحديث عن استشهاد عبد الله الرضيع وهي ليلة الوداع.
وفي اليوم العاشر يروى المقتل وتفاصيله الشجيَّة وسط حزن الحاضرين المحتشدين وطقوسهم الباكية الشاجبة لتعديات البغاة على صحب ابن بنت الرسول الأكرم وآل بيته الأشراف.
بعد هذا تتخذ المجالس الحسينيَّة يومياً صفة الاستذكار والموعظة وتبيان خصائص كل شهيد وحيوات من قاتل مع الإمام الشهيد, في طقس اجتماعي ديني, يتبارى فيه الخطباء والمحدثون في كل مدينة وقرية حتى مشاهد اليوم الأربعين الحافلة بالتأسي واستنباط العبر, وحث الناس على الصبر وتأمل شجاعة الإمام الشهيد وقدرته البطوليَّة على مجالدة الباطل عبر الزمان والمكان, وانتصاره التاريخي المستمر على عدوان الباطل الأموي المدان حتى يومنا هذا.