الزواج المدني يثيرُ عاصفةً من ردودِ الأفعالِ في لبنان

اسرة ومجتمع 2019/02/26
...

بيروت/ جبار عودة الخطاط 
عاصفة من ردود الأفعال المختلفة أثارتها وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن بإعلان تأييدها للزواج المدني، فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بتفاعلها الكبير بين مؤيد ومعارض.. الشارع اللبناني انشغل بتصريح الوزيرة التي أعتبرها الكثيرون بأنها وضعت الأصبع على موضوع بالغ الحساسية في بلد ينقسم أهله في الكثير من المواضيع الحياتية المهمة.
القانون اللبناني لا يجيز عقد الزواج المدني – والزواج المدني هو عقد بين رجل وامرأة، بالغين، يتم بغض النظر عن خلفيتهما الطائفية ومن دون مراعاة الشرائع الدينية في ذلك العقد- إلا أن لبنان يعترف بالزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية سنداً للمادة 25 من القرار رقم 60  لهذا يلجأ اللبنانيون ممن يرومون الزواج مدنياً الى السفر  الى قبرص أو اليونان ليعقدا هناك ثم يعودا الى 
بلدهما.. ويتميز لبنان بتنوعه الطائفي المكون من 18 طائفة وبعدم وجود قانون موحد للأحوال الشخصية، كل طائفة لها قوانينها ومحاكمها الخاصة. 
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط دخل يوم الاثنين 18 شباط الجاري على خط المؤيدين للزواج المدني الاختياري، وضرورة الكف عن استخدام الدين للتفرقة بين الناس وجاءت تغريدة جنبلاط هذه تعليقاً على تصريح الوزيرة ريا الحسن المؤيد للزواج المدني وقال جنبلاط في تغريدته “هل بالإمكان ان ندلي برأينا دون التعرض للتكفير حول الزواج المدني، نعم انني من المناصرين للزواج المدني الاختياري ولقانون احوال شخصي مدني وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين”  
فيما رد المكتب الإعلامي في دار الفتوى على المتسائلين عن موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني الذي اعيد طرحه وتداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام وليس في المجلس النيابي.
وأكد المكتب الإعلامي “ان موقف مفتي الجمهورية ودار الفتوى والمجلس الشرعي ومجلس المفتين معروف منذ سنوات في الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته، لأنه يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء جملةً وتفصيلاً من ألفه الى يائه، ويُخالف ايضا أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي من دون أخذ رأي وموقف دار الفتوى وسائر المرجعيات الدينية في لبنان”. ودعا المكتب الإعلامي إلى “عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من اختصاص دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية المؤتمنة على دين الإسلام ومصلحة المسلمين”. وكانت الوزيرة ريّا الحسن قد قالت في مقابلة مع قناة “يورونيوز” يوم السبت 17 شباط الجاري أنّها تحبّذ شخصياً أن يكون هناك إطار للزواج المدني.
وقالت: “هذا الأمر سأتحدث فيه وسأسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني”.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضد وزيرة الداخلية على مواقع التواصل، داعين الى ما وصفوه بـ”يوم غضب” أمام بلدية طرابلس رفضاً لموقف ريا، في ذات الوقت الذي شهدت مواقع التواصل دعوات تأييداً لخطوتها التي وصفت بالشجاعة فقد غرّدت النائبة بولا يعقوبيان عبر حسابها على “تويتر”، قائلة: “أشعر بالافتخار كمواطنة لبنانية بوزيرة الداخلية ريا الحسن، ليس فقط لنزاهتها واجتهادها بل لجرأتها على قول الحق مهما كانت كلفته. الأبواق التي تنال منها هي مجرد أصوات تخاف على مكتسبات مادية وليست تنتصر لدين! 
أنتم تكذبون وريّا صادقة، أنتم تعترفون بالزواج المدني وبكل مفاعيله #بكفي”.
وقالت الإعلامية رابعة الزيات: “كمواطنة تؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة وحقوق الإنسان أدعم وأؤيّد موقف #ريا_الحسن في موضوع الزواج المدني”.
الفنانة اللبنانية الشهيرة إليسا قالت من جانبها عبر حسابها الخاص بموقع التواصل الإجتماعي تويتر : “صرنا بسنة 2019 وبعدن بعض تجار الدين بيكفّروا كل حدا بيحكي عن الزواج المدني، بس بيقبلوه لما يكون برات لبنان”.
وأردفت اليسا قائلةً : “الدولة المدنيّة ما بدا ناخد إذن من حدا والله يقويك الوزيرة ريا الحسن”. ولا يعدّ كلام اليسا حول الزواج المدني مستهجناً، فسبق لها وأن صرحت قائلة: “الزواج المدني لا يحفظ حقوق المرأة وحسب بل لأنه يظهر للعالم الصورة الحقيقية للشعب اللبناني، ولأنه يشجّع سياسيينا على عدم الاختباء وراء أصابعهم، ولأنّه يغني التنوّع في بلدنا الذي نحبّ”. وكان مجلس الوزراء اللبناني قد أقرّ بغالبية الثلثين الزواج المدني الاختياري في عهد الرئيس الأسبق الياس الهراوي، إلا أن رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري رفض التوقيع على المرسوم.
ثم سمح وزير الداخلية الأسبق العميد مروان شربل بتسجيل عقود الزواج المدني في وزارة الداخلية في عام 2013 استناداً الى المرسوم 1936 الذي يشير الى الزواج المدني الفرنسي. ويعود طرح الزواج المدني لأول مرة عام 1951 في مجلس النواب، حيث تم رفضه، وجرت بعد ذلك عدة محاولات لإقراره لم تفلح جميعها. ويستنتج من مختلف أحكام التشريعات لدى الطوائف اللبنانية، أن الزواج هو عقد ثنائي علني ذو صفة دينية، يتفّق فيه رجل وامرأة على الحياة معاً بغية تكوين أسرة. وهو يختلف عن غيره من العقود لأن مفعوله لا ينحصر بطرفيه، بل هو نظام اجتماعي ذو قدسية خاصة، هدفه تكوين الأسرة والتناسل وتبادل التعاون في جو عائلي قوامه الحب والاستقرار والطمأنينة، وهو النطاق الوحيد للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة تحت رعاية الشرائع السماوية.