عيادة الحاج مهاوي

ثقافة 2021/09/03
...

 باسم عبد الحميد حمودي 
 
أصدرت مؤسسة (نخيل) للثقافة رواية الكاتب حسن العاني الجديدة (عيادة الحاج مهاوي) التي تنقلنا الى عالم من النقاء الانساني وصراع العاطفة الذي اجترح العلاقة الوجدانية الحسية بين البطل -آدم- والنسوة الثلاث اللواتي شكلن مثلث العاطفة الذي يتعايش مع ظروف البطل الانسانية وتطلعاته الاجتماعية الفريدة.
يواجه (آدم) وهو الاول على خريجي مرحلته من مساعدي الاطباء او الموظفين الصحيين في القرية التي عيّن فيها وضعا اجتماعيا صعبا بداية، اذ لا وجود لدار سكن خاصة به فيمنحه الحاج مهاوي (الذي سميت القرية باسمه) دارا صغيرة ليقيم فيها لخدمة أهل القرية ومحاولة حل مشكلاتهم الصحية العامة ما أمكن.
علّم آدم بعض النساء عملية زرق الأبر للتخلص من الحرج الاجتماعي الصارم الذي يعانيه وهو يعاين أجسامهن، وعلم سكان القرية كيفية تنقية المياه لاستخدامها، وشغل الليل والنهار للتجوال بين الأسر للكشف على الأوجاع الطارئة التي تنتاب من مغص الى صراخ كلى الى امراض طارئة اخرى.
كانت حركة البطل الانسانية داخل مجتمع الرجال والنساء في أي وقت سببا في احترام القرية لكفاءته الطبية وتقديرها، وقد كفل له الحاج مهاوي وسائل الاتصال المباشر، فقد كانت ابنته زكية واسطة الاتصال الأولى بمجتمع النساء، وهي سيدة صغيرة مطلقة، نافستها والدتها (فضيلة) زوجة الشيخ في التعاون معه للوصول الى بيوت القرية ليلا ونهارا. وبقدر ما كانت الابنة الشابة وحدانية التجارب ضعيفة اجتماعيا كانت الأم -فضيلة- أكثر اكتنازا وأهم تجربة حسية مشبوبة، فهي خريجة كلية تكتب بعض تجاربها، لكنها الأكثر تزمتا والماً من ضياع فرصتها الإنسانية المشبوبة، فقد كان زوجها في الثمانين وهي لم تتجاوز الأربعين إلّا قليلا، ولذلك وجدت في تعاطفها المشبوب مع (آدم) وسيلة مثلى لفك أسر عاطفتها وتوقها الحسي.
حسن العاني هنا يعرف كيف يدير سلوك بطلاته المواجه لسلوك البطل الذي أنجر الى ذلك السلوك المرفوض اجتماعيا بحكم الواقع القروي الصارم، لذلك وجد المتنفس الشرعي لعاطفته بالزواج من (وضحة) شقيقة الشيخ الحاج مهاوي التي كانت واحدة من مساعداته اللواتي كانت مرافقتها له وسط العيادة مبررة بعد هذا الزواج المفترض.
لم يأخذ هذا الزواج الذي يحل مشكلة اجتماعية للموظف الصحي الشاب ويسعد وضحة التي وجدت الملاذ السعيد في (آدم) لكن التفجير المدوي الذي حل ببيت الزوجية وقتل الزوجين أنهى تلك الاحلام ونقل الفتى ادم الى العالم الآخر كما نقل وضحة.
هنا تبدأ صفحة أخرى من تاريخ قرية الحاج مهاوي، حيث بنى السكان ضريح الفتى ادم الذي حاول تقديم الخير للناس، ولم يكتفوا بذلك - بعد امساك القتلة ومعرفة المحرضة- بل زينوا المقام بالحناء ووضعوا الاقمشة الخضراء الصغيرة في مفاتيح الضريح تيمنا وطلبا للمراد.
 كانت وضحة مثقفة القرية وزوجة الحاج مهاوي هي المحرضة التي انتقمت لنكران عاطفتها، كانت تريده لها وحدها، وقد حرمت عاطفة أخرى، وكان آدم رجل الخير وحب الناس قد استسلم للعاطفة الجديدة التي انهت حياته، ولكن كل ذلك قد أنتج نوعا من تقديس المجتمع القروي الذي خدمه لتجربة ادم الاصلاحية داخل القرية من دون ان تخوض القرية في ما وراء الستار وان تكشف الباطل المخبوء رغم كشف الجناة.
الرواية رسالة في الحب واللوعة والانسانية وفي صياغة ايقونة مثلى في قرية خدمها ادم الخير الانساني من دون ان تتذكر آدم الكبير، أب البشر الذي عاش الجنة وابتعد عنها ليوقع أولاده في مشكلات ما زالوا يعانون منها حتى يومنا هذا.