شيءٌ ما تحت نظارة كيارستمي

ثقافة 2021/09/05
...

  حسن عائد
 
هل تعرف ماذا يعني العقاب؟
[كسرٌ لوتيرة الأسئلة الروتينية، فهروب الطلبة يبدو مدروساً وملقنا، ربما بعفوية وربما لا]
- نعم، يعني أن تُضرب بحزام. 
كوميديا سوداء بادرت بأخذ سياق السين والجيم التهكمية من النظام التربوي وسلطته الرهيبة، حيث لا أحد يعرف معنى الثواب، هذا ما خرجت به من الفيلم الايراني (مشق شب 1989) أو الفرض المنزلي.
كاميرته، وأقصد (كيارستمي) تذهب معه اينما رحل، فجاءت الصدفة على شكل فيلم، والفيلم سؤال: إذ كان يريد معرفة هل هو الوحيد الذي يعاني من واجبات أبنه المدرسية أم هناك من يعاني هذا الهم؟ 
يلتقي الطلبة، رفقة أداته التي لا تنفك من كونها سلطة أيضا، ولها فلسفتها الفنية. يسألهم عن الخوف، والإدارة والعقوبات، ولماذا يتمرد الطالب على أستاذه.  
مستدركاً، كم من البناطيل سكب عليها الماء عمداً لدرء الإحراج. 
وعباس هنا، لا يلجأ لكونهِ شرطيا يتحكم بمزاج الأسرة والعمل.
(نحن لا نستطيع ابداً ان نقترب من الحقيقة الا من خلال الكذب، للكشف عن الجانب الخيالي منا جميعاً والذي بالنسبة لي هو الجانب الاكثر حقيقية في الفرد) *عباس كيارستمي/ سينما مطرزة بالبراءة ترجمة واعداد أمين صالح.
 
هناك ما يقلق، النهاية.
نهاية الفيلم إرهاص الخلع المتني، تضخم رأس السطوة، تبجح، كثمرة لا يضيع ضررها في العصير.. 
الطفل مجيد، بوجهٍ شاحب، وجسمٌ مرتعش، متعرق، هو ذاته الطلبة الآخرين كلهم، ألمهم، رهبتهم من السُلطة. 
مجيد حمل وزر استاذه المزاجي، ربما كان قبل أن يعاقبه متضايق من بنطاله أو أصبع الطبشور حُشِرَ في انفه لسباق دار حول رائحة الثوم مثلاً، خلق هذا العقاب مجيد آخر، لا يعرف أي شيء سوى أن يبكي أمام الغرباء، يطلب من المخرج أن يكون صديقاً له، وبجانبه، ليطمئن قليلاً.. 
لا يتحدث إلا عن شيء عام، عن شيء ربما سمعناه من طالب آخر.. طالب لا يكف عن كونه معزة محاصرة..
استطراداً من هذه النهاية إلى بداية فيلم (أين منزل صديقي) طالب اكتشف أنه أخذ بالخطأ دفتر زميله في الصف، مع ما نعلمه من التهديدات طبعاً إن لم يكن الواجب قد تم في مساء واحد، يقرر إعادة الدفتر لكن الأم رفضت وحذرت من مثل هذه الخطوة.
في ما بعد تطلب منه أن يشتري خبزاً.. يستثمر الفرصة ويذهب إلى القرية المجاورة حيث يعيش..
يبدو ألّا أحد يعرفه. يصدف هو ودفتر صديقة غريبين في عالم حصلت القطيعة فيه، لا أحد يجيب عن سؤاله الذي بات حبيسه خوفاً من أمه وأستاذه.
(هجرت الشيخ والمريد بلا عبء أواصل طريقي) * ليل مرصع بروقاً، ترجمة محمد الكرخي ورشيد وحتي. 
تحملني ريح لعنة السؤال، مكانٌ يُحار فيه، هل هذا المجيد، نحن؟ هل (كاميرا كيارستمي) ملاك اليمين أم هو ذات الواثب العلوي؟ تراقب من أنت ليكف عن فراره؟ 
يحمل مرماه بتعبٍ رمادي من سفره، أكتظ بين طفلٍ لعوبٍ يمرح، طفل بحجم 60 عاما تسمّر من رآه طروباً، أي البيوت ستقبل توبته، إن ترك الفرض واجبه الوحيد؟ 
يغفر بكونه رسول منذر، ليس عليهم بمسيطر، عزف شبقٍ مجدليٍ سفرة مزيته تزوق لعق تيه الأرواح، أڤيون يُنثر بعين كلمة عشق، تفاحة مريم تبنت آخر خطاياه..
ما الانفعال الأول لآخر خطيئة على الأرض؟ من سيحقق مداد آدم، ربما أحدهم ينسى عمل واجبه المنزلي ويحقق أثره فيلم صامت لمدة 10 ثوانٍ يعرض فيه طاولة طويلة لأربعة أشخاص، وعلبة (كلينكس) زجاجية تعكس ضوء طفيف على عدسة (الكاميرا) المعلقة وسط السقف، يغطي الطاولة قماش (هاڤاني) تتوسطه تفاحة صفراء مبلل ما تحتها، يرميها إلى فمه وينتهي الفريم الثابت بموته مختنقاً، لا تزال (الكاميرا) معلقة لا ينفد عمر بطاريتها، الفيلم مستمر حتى بموت بطله.