نفط نيجيريا ينتظر نتيجة الانتخابات!

بانوراما 2019/02/26
...

ترجمة: بهاء سلمان
 
نيل مونشي
 
لدى مصفاة النفط المملوكة للدولة النيجيرية في مدينة كادونا الشمالية قدرة انتاجية تبلغ 110 براميل يوميا؛ لكنها لم تنتج شيئا العام الماضي، ولم تكن المصافي الثلاثة الأخرى ضمن منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط جنوبي البلاد أحسن حالا، فقد عملت بطاقة 11 بالمئة من بداية العام الماضي لغاية تشرين الأول من طاقتها التصميمية البالغة 445 ألف برميل. وفي تشرين الأول نفسه، لم تعالج تلك المنشآت العملاقة أية كمية من النفط الخام، لتصل الخسارة الاجمالية الى 30 مليون دولار.
تداعي المصافي ضمن أكبر بلد أفريقي منتج للنفط لا يعكس فقط الحالة المؤسفة لقطاع النفط والغاز المتعطش للاستثمار، لكن تذكّر أيضا باقتصاد البلاد الكسول المعتمد كثيرا على النفط، حيث يمثل 56 بالمئة من واردات الدولة. ويوفر المرشحان الرئيسيان لقيادة أكبر بلد أفريقي بعدد السكان خيارات متباينة جدا لاصلاح هذا القطاع الحيوي، ما بين تنمية يقودها القطاع العام أو الخاص، ويسلط الضوء على جدل متواصل يدور داخل نيجيريا منذ ستينيات القرن الماضي حول ضرورة دفع ثمن باهظ للتنمية يتمثل في ازدياد
 الفساد.
رجل سلطة
حاليا، الرئيس “محمودو بوهاري”، المسألة بالنسبة له تعد شخصية. وقد شيّد بوهاري بعضا من مصافي البلاد عندما كان وزيرا للنفط خلال السبعينيات، ومنهاجه يعكس ماضيه كديكتاتور عسكري، فتركيزه ينصب على تنمية تقودها الدولة مع خطة انشاء شراكة بين القطاعين العام والخاص لاحياء المصافي. أما منافسه الأهم”اتيكو أبوبكر” فهو على نقيض صارخ، حيث يخطط لبيع المصافي، وكان الرجل ذو الـ72 عاما قد جمع ثروته من أعمال النفط والغاز قبل قيادته لخصخصة غير منتظمة كنائب للرئيس بداية القرن الحالي، وهدفه الرئيس مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية، الشركة الضخمة المملوكة للدولة، بؤرة الفساد المترامية الأطراف.
يريد الرجلان تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، وتعزيز الانفاق على البنية التحتية، لكنهما يختلفان بكيفية التنفيذ. وربما يتوفر لأول مرة للناخبين النيجيريين خيارا واضحا بين مرشحين كبار استنادا الى مناهج متضادة حيال الاقتصاد والأعمال. النقاش حول ادارة الاقتصاد النيجيري يعد معقدا في ما يخص فساد القطاع العام، فلمدة طويلة من العقد الماضي، حلّق الاقتصاد بنسبة نمو سنوية بلغت سبعة بالمئة، لكن أعداد النيجيريين الفقراء تزايدت أيضا، مما يوحي بكون التنمية ظاهرية وعقيمة، غذاها المال المسروق المنفق على نمط الحياة الباذخ الذي تعيشه الطبقة السياسية الحاكمة
 وحاشيتها.
شن بوهاري حملته تحديدا ضد تلك المرحلة، وانتخب رئيسا سنة 2015 بتعهده مكافحة الفساد وخلق شعور بالاستقامة، برغم عدم تحقيق حملته ضد الابتزاز المالي لنتائج تذكر؛ وتشارك الرئيس بحملته مع سياسيين يشتبه بتورطهم بارتكاب أعمال فساد واسعة. وبحسب استبيان لمنظمة غالوب نشر يوم الرابع من شباط الماضي، فان 84 بالمئة من النيجيريين يعتقدون بانتشار ضخم للفساد الحكومي، منخفضا بنسبة اثنين بالمئة عن العام 2014.
 
وعود مكررة
وتعهّد أبوبكر أيضا بملاحقة الفساد، لكنه كان نائبا للرئيس سنين النهوض الهائلة مع حلول القرن الحالي، وتلاحقه مزاعم بالابتزاز المالي منذ تلك الفترة. ويشير تقرير لمجلس الشيوخ صدر سنة 2010 بمساعدة زوجة أبوبكر الأميركية له بنقل أربعين مليون دولار من أموال “مشبوهة” من حسابات خارجية الى الولايات المتحدة، لتثير نتائج التحقيق كما من الأسئلة حول طبيعة ومصدر ثروة أبوبكر. الرجل ينكر دوما ارتكابه للمخالفات، لكن سمعته سيئة لدى الكثير من الناخبين والمؤيدين والمعارضين.
ويدور نقاش بين المواطنين حول أوضاع المرشحين، وكيف جمع أبوبكر ثروته، وهل هم بحاجة الى نظرياته بقطاع الأعمال؟ وهل من النافع للشعب خصخصة شركة النفط الوطنية؟ ولمن ستؤول ملكية الشركة؟ لمن يستحقها أم لنخبة السياسيين الفاسدين، له ولاصدقائه؟ مع تداول فضائح الفساد التي ظهرت أثناء 16 سنة من حكم حزب الشعب الديمقراطي الذي يتزعمه أبوبكر. لا يعمل مؤتمر الجميع التقدميين النيجيري، المساند لبوهاري، وحزب أبوبكر بالاستمرارية الآيديولوجية بين اليمين واليسار، فبدلا من ذلك، يبدو الحزبان يعملان كواسطة للسيطرة على الدولة، يوظفان من خلالها موارد البلاد لتمويل شبكات واسعة من المناصرين. وتوجهت المواقف السياسية للحزبين لأن تكون واضحة ومتشابهة، متركزة على تنمية مقادة حكوميا؛ كما ان العلاقة بين الحزبين مائعة جدا لدرجة جعلت أبوبكر يرتقي السلطة عدة مرات، وساهم في الانتخابات الأخيرة بتمويل حملة بوهاري، سامحا له التنقل بطائرته النفاثة.
 
اختلاف بالتوجهات
لكن أبوبكر أوجز مؤخرا الفرق بينه وبين الرئيس: “انه مناهض للأعمال التجارية ومناهض للقطاع الخاص، عكسي أنا الداعم لهما.” ويؤيد الكثير من رجال الأعمال في لاغوس، العاصمة التجارية للبلاد، هذا التقييم الحاد. ويريد أبوبكر خصخصة أصول القطاع العام، ويخفض الضرائب على الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. 
ويريد المرشح الرئاسي أيضا تعويم العملة المحلية، التي أنفق البنك المركزي مليارات الدولارات لدعمها كي تبقى بمعدلات جيّدة، كما يؤكد ان من أهم أولوياته تمرير اصلاحات على قطاع النفط ينظر اليها كونها اساسا لتحفيز الاستثمارات. وكان بوهاري قد رفض تمرير بعض بنود الاصلاحات لأنها ستعمل على اضعاف قوة السلطة التنفيذية.
يلتزم الرئيس بشدة بمنهجه التصاعدي بقيادة الدولة للبلاد في التنمية، مركزا على الزراعة والمشاريع التجارية الصغيرة والبنية التحتية، وهو يشن حملته كمرشح للجماهير، بالتواصل مع أتباعه المشابهين له شمالي البلاد المكتظ بالسكان. وبينما تتباين وعود حملتيهما بشكل كبير، ليس من الواضح ان كان نصر أحد الطرفين سيتمخض عنه نتائج اقتصادية مختلفة بشكل لافت للنظر اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحديات البنيوية الهائلة التي تواجهها البلاد، وسيحدد الاعتماد الهائل على النفط قدرات الرئيس على اجراء الاصلاحات، بسبب ارتباطها الوثيق بما سيحصل لأسعار النفط العالمية خلال السنين القليلة القادمة.