بالآجل..

آراء 2019/02/26
...

د. كريم شغيدل
 
لا أحد ينكر ما آلت إليه الأوضاع الأمنية في العراق من تحسن ملحوظ، ولهذا أسبابه الأمنية والسياسية، لعل أهمها انتصاراتنا الساحقة على قوى الإرهاب والظلامية وسحق الدواعش على أيدي قواتنا الأمنية بمختلف صنوفها والحشد الشعبي المقدس وجميع فئات الشعب العراقي من مختلف الاثنيات ممن رفضوا وجود ذلك الورم السرطاني الخبيث، وأسهموا كل من موقعه،
والفضل الأول والأخير لتضحيات أبنائنا البواسل ممن قدموا أرواحهم فداء لتراب العراق، إلى جانب أسباب سياسية لا نود الخوض في تفاصيلها.
حالة التقشف الاقتصادي التي عرقلت الكثير من جوانب الحياة على خلفية انخفاض أسعار النفط، لم يعد لها أثر كما في السابق بسبب الارتفاع النسبي في الأسعار، ووضع العراق إقليمياً ودولياً أفضل من السابق بكثير، فما الذي ننتظره؟ أنا لا أتساءل عن إتمام تشكيل الحكومة، ولا عن المناصب التي لا تزال شاغرة أو مشغولة بالوكالة، ولا عن آليات اقتسامها أو توزيعها، لكن أتساءل عن بوادر النهضة، متى ينهض العراق؟ تساؤل قد يثير سخرية البعض، وأنا واحد منهم، ربما فات أوانه، بعدما أصبح التفاؤل تهمة.
ليكن حلماً أو مجرد طموح، أيحق لنا أن ننهض؟ لِمَ لا؟ ألسنا شعباً حيَّاً مررنا بشتى صنوف المآسي وقاسينا مختلف صور النكوص ثم نفضنا الغبار واستيقظنا، ففي التاريخ المعاصر نهضنا بعد الخلاص من الاحتلال العثماني وبنينا دولة عصرية كانت محط أنظار العالم، وكان من الممكن أن تنمو وتتطور، وبعدها بقي الأمل قائماً بالنهضة التي وضعت العراق بمصافي الدول المتقدمة، ثم توالت الانتكاسات والحروب والمجاعات، وتراجعت وتائر التمدن والحضارة، وتخلخلت مناسيب الثقافة والحريات، فما الذي ينقصنا الآن لننهض؟.
العراق بلد غني مادياً وبشرياً، والمجتمع الدولي متعاطف معنا، والاقتصاد يعد روح النهضة، والسيد عادل عبد المهدي رئيس الحكومة أقرب للاقتصاد منه إلى السياسة، ترى بأي شكل من أشكال النهضات نفكر؟ أحلامنا على مقاساتنا، بسيطة وواقعية وليست تعجيزية، نحتاج فقط إلى اقتصاد اكتفاء ذاتي بمجرد إيقاف استيراد السلع غير الضرورية وتطوير القطاعين الزراعي والصناعي، نحتاج أن نعطي القضاء فرصة لممارسة مهامه بملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال المسروقة على مدى السنوات الفائتة، تقنين النظام الفيدرالي في إقليم كردستان سياسياً وإدارياً ومالياً، لا سيما عائدات النفط، استثمار الغاز إلى جانب النفط بصورة صحيحة، استقدام الشركات العالمية الكبرى للاستثمار بالآجل وبناء المشاريع الكفيلة بتوفير فرص عمل وإعادة الإعمار وإنشاء مدن عصرية بمجمعات سكنية كبرى ومميزة وهناك آلاف الشركات تتمنى ذلك، بشرط ألا يعرقل أحد عملها بالعمولات أو يهدد أمنها بالابتزاز، إعادة النظر بقوانين التقاعد لإتاحة الفرص للعاطلين، تطوير قطاع الخدمات بإيكال المهمة للشركات العالمية وكثير منها مستعد للعمل بالآجل، على الأقل ابنوا بالبلد بالآجل بعد أن سرقه الفاسدون وخربه المخربون ودعونا نحلم نحن الذين لا نمتلك سوى أقلامنا وأحلامنا.