العناصر الأنثويَّة في السرد دلالة ضاغطة

ثقافة 2021/09/07
...

 ناجح المعموري
 
العناصر الأنثوية في السرد دلالة ضاغطة، معبرة عن الانهيارات الكبرى التي تواجهها الأنوثة في حياة مرتبكة وخطابات ملاحقة، ومضطهدة. وتحرك السرد في رواية (الشر الأخير في الصندوق) للروائي فلاح رحيم بتأثير الحرب ونجاح اللعب على اللغة وابتكار خطاب للأنا، والتلميح للتردي بالعلاقات الاجتماعية، وانهيار صفو العقل. وقد تحدثت  فاحصاً عن تردي الحضور الاجتماعي للأنثى عبر اشارة صريحة واضحة، مكشوفة، لان فلاح وجد في ذلك فرصة جوهرية للإعلان عن الانهيار عبر خطاب تخيل فيه المسكوتات، عندما ذكر بوضوح تام حول الجمال الذي تتميز به المرأة العراقية اثناء الحرب، ويتسع خطاب الاستهداف عبر نماذج متسامية ذات معانٍ قوية موظفاً الأحلام التي شكلت مثلثاً في تنوعات السرد الروائي وتعدداته، فالعقل والحلم والأمل ثالوث ظاهر وخفي حتى تتسامى الشعرية ومثال ذلك حضور أربعة أناث في حلم، انعام، هدى، علياء، بيانكا واللعبة التي من الواضح خسارتها معروفة. الأنثى تعيش وسط الخسارة، خسارة الحلم، وانهيار الحياة
العامة.
تلاشت الحضورات العقلية القوية التي عرفها سليم، وقد ذكرته هدى بذلك، حين تحدث بصوت سليم ما قبل التخرج والحرب، عن ضياء القمر لا حجارته، كان يؤدي الدور المنوط به لم يكن يدافع عن قناعات كانت قبولة.
صحا من حلم لذيذ قادم من صباه في بيت العائلة في الحلة. رأى نفسه معلقاً بين اغصان شجرة التين الاسود في حديقة المنزل يرصد من علاه الحديقة والشارع والغيوم. ويغمض عينيه عندما تعض أسنانه على تينة طرية لفرط حلاوتها لم تكن معه في الحلم، لم تظهر حضورها تمثل في سعادته الغامرة لطعم التين العسلي وقد طبخته شمس ساطعة. لم يحدث في الحلم شيء فنطازي يخرج به من الذاكرة الى المخيلة. غرابة الحلم أنه اعاد اليه لحظة لم تخطر بباله طوال اعوام طويلة / ص185/.
يذهب العقل الى مراتب تعني الانا وتكشف عن انحدارات قاسية للغاية، متكونة بسبب الحرب وتعطل العلاقات التي دائماً ما تنشأ بين الانثى والمذكر، وتشكل هذه الانكسارات حساسية كبيرة تروم بالخفاء ردم الفراغ الذي تؤسسه انهيارات العقل الذي لم يعد قادراً على تسوية ما تحتاجه الحياة ويضطر الكائن المثلوم بسرديات عاشها واسعدته واخرى هشمت بعضاً من محكياته، فيزداد الضغط عليه ويلوذ بالحلم الذي يعوض المفقود بالعلاقة بين هدى وسليم وما قدمه سليم من تصورات لحلم رفيع الشعرية صعدت به ضياعات العلاقة بين الاثنين. وكشف حلم سليم فعلاً اتصالياً من خلال حلم النوم الذي اومأ لشخصية سليم وغيبت هدى، وظل حضورها طرفاً متكتماً عليه بفعاليات العقل المتدهور. الحلم فيه فعل لذي مكشوف ومجازات عديدة وصعود المجازات ولرموز خلقت من السرد طبقات تسامت فيها اللغة وابدعت خطاباً اتصالياً عالي الوظيفة مع هدى. وتبدت للقراءة وجود شهوية مزاولة وطاقة محبة وعشق له تمظهرات في الحلم وليس في الحياة. وبالإمكان تفكيك سردية حلم اللذائذ وهي متحركة وغير معطلة التينة الطرية ايقونولوجية الصورة. والصورة ذاتها الدالة على المعشوقة التي باعد زمن الحرب بينهما وقادت الاحتمالات لقاءً او لقاءات آتية، يتحول فيها الماضي حاضراً سيرورته الاتي، التينة هدى التي زاول معها ما لم يعرفه من قبل، لكن الحلم منحه فرصة تعويضية عندما أغمض عينيه لحظة عضت أسنانه التينة الطرية اللينة وفيضان
مائها.
لان سليم لا يريد خدش الثنائية التي احتمت برجاحة العقل وسمو الشرف الثقافي، ظل الحلم واحديا، مكتفياً بسليم ولم يفسده غياب هدى التي هبت عليه بسعادة غمرته بطاقة التينة وجسدها الذي سح عسلاً وايقاعات انضجتها الشمس الساطعة. سردية الحلم واقعة والواقعة كما قال بارت هي سرد تاريخي، هنا انقلاب في التكون أراد لعبة سليم بمهاراته غير المعطلة. لكن سليم تحمس باندفاعه والتقط شعرية فائضة بحلم غادرته اللامعقوليات والغرائبيات، بل قدم توصيفاً عالياً لمهاراته، ومنح سليم بهجة غير معهودة، محروم منها، ولم يعشها حقيقة او حلماً عبر سنوات طويلة.الثنائية الرمزية او تحققاتها الادخالية تسرع نحو الانبعاث والتجدد، لا بد من تحقق نظام الخصوبة. هذا هوس هدى واستحالة الحصول عليه، لكن التعويض ممكن وخضرة عينيها المجيدة والمذهلة بكل الذي قاله سليم واستمعت له بما قال وتصديقها أكاذيبه عن الامل / ص185/.  
منحت شجرة التين ثمراً حظي بمكانة مقدسة في الديانات التاريخية 
وهو وسيط للمتع واللذائذ الليلية، فالتين والزيتون والعنب كاسات تحفز الروح النائمة وتفعل التشارك من اجل تجدد الحياة وديمومتها، لكن حلم سليم انعكس متضاداً لما تعيشه علياء، انعام، هدى، بيانكا. الفوارق ثانوية، لكن التماثل له حضور قوي تأكد له الان ان ذلك الشيء النفيس ظل طوال الوقت في حوزة هدى. لكن ما هو؟ حاول اثناء اللقاء ان يعيد هدى الى ماضيها قبل الفاجعة، ولم يخطر له قط أنه بذلك سيعود هو نفسه الى تلك الارض البعيدة المفقودة. ظل دائماً يرى الحرب امتداداً لاخفاقات الماضي الكبيرة التي سبقتها، لكنه اكتشف مع هدى انه هو، سليم، ليس امتداداً لما كان عليه في الامس. ليس الشخص الذي حلم يوماً ان يكون. ليس في سليم ما قبل التاريخ ما يدعوه الى الخجل من نفسه. كان صادقاً في قبوله الانتماء الى قضية كبيرة وتجرده من أنانيته الضيقة، كان راضياً عن نفسه وعن المستقبل يومها / ص185/.
الحياة توقفت، العطل صورة ونص مكون من أيقونات كثيرة لها سعة وامتداد وأكثر الأوجاع المطاردة للأنثى هو عطلها، لذا اختيار سليم قصدياً طافحاً لما تنطوي عليه الرموز الكامنة فيها ولعل سرديات بيانكا فيها تباين واختلاف. لكن سليم عاش تعطلاً بالعلاقة مع بيانكا بعد أن انكشف له التين البولوني عض عليه وامتص ماءه العسلي وذاق خمرة الجسد، لكنه اقترف خطأً بالمرة الثانية، قدم جسده منخذلاً امام جسدها فوق الفراش. الذي خسره مع بيانكا تعايش معه حلماً مع هدى ولم يكن موقف سليم صائباً عند قصدية فك الادخال مع بيانكا بسبب ضغط الحرب مثلما قال لي بعد حوار طويل حول ذلك. وأنا واثق وعن تجربة معيشة لم تنجح الحرب بتهميش الذكورة حتى مع ما يضاف مع الماء لاماتة
 الفحولة.