محمد صالح صدقيان
أن يعقد مؤتمر دولي في العاصمة العراقية بغداد أمرٌ قد لا يعتبر في الظروف الطبيعية خارج المألوف، لكن ما قد يندرج في خانة "اللامألوف" أن يجمع الاضداد والفرقاء حتی وإن كانوا من دول الجوار ومن دول الإقليم الذين لا يمشون جميعا علی سجادة واحدة.
مؤتمر بغداد عُقد بمشاركة دول الجوار العراقي تركيا وايران والاردن والكويت والسعودية اضافة الی مصر و دولة الامارات مع مشاركة اوروبية تمثلت بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الحجم الدبلوماسي الرسمي الرفيع المستوی حاول بالدرجة الاولی إعادة العراق لوضعه الطبيعي في لعب دور مؤثر علی الصعيد الاقليمي والدولي في ظرف تشهد فيه المنطقة العديد من التطورات ولربما القادم أكبر مما نحن فيه بسبب سرعة هذه التطورات.
لا يمكن اخفاء الرغبة العراقية في اجراء مصالحة اقليمية تنعكس ليس علی التطورات في العراق وإنما علی العلاقات الاقليمية حيث تتقاطع دول الاقليم في سياساتها منذ ما يقارب عقد من الزمان وتحديدا منذ نشوب احداث "الربيع العربي" بداية 2010 وحتى الآن.
نعتقد أن جميع الأطراف باتت الآن مقتنعة بضرورة التوصل الی تفاهمات وعلاقات شراكة من اجل استيعاب ما يمكن استيعابه من التحديات واستبدال حالة التدافع الامني والسياسي التي شهدتها المنطقة بعلاقات التعاون والتنسيق التي تصب بخدمة التنمية التي تتطلع لها دول وشعوب هذه المنطقة.
يبدو لنا أن المنطقة فقدت بانهيار الاتحاد السوفياتي قواعد "النظام الأمني الإقليمي" الذي كان حاكما في إطار "الحرب الباردة" بين المعسكرين الغربي والشرقي، وعاشت هذه المنطقة من العام 1991 حتى الآن فراغا أمنيا انعكس بشكل جلّي علی جميع اشكال التعاون بين دول المنطقة.
حاولت الولايات المتحدة أن تنفذ سياسة القطب الواحد في العالم والمنطقة لكنها لم تنجح، طرحت برنامج "الشرق الاوسط الجديد" لكنها أيضا واجهت مشكلات متعددة حالت دون الاستمرار في ذلك المسار. حاولت مرة اخری اقناع دول الاقليم بفكرة "صفقة القرن" لكنها فشلت بسبب تعارض المصالح مع دول المنطقة، ولم ينجح الثنائي "بومبيو - كوشنير" من اتمام هذه الصفقة علی الرغم من المساعي الكبيرة والضغوط المتعددة التي مارسوها من اجل تجذير هذه الصفقة. ما تم في بغداد يمكن أن يكون بداية لمسار جديد يستطيع أن يرسي قواعد للعمل المشترك وصولا الی "نظام أمني إقليمي" يستطيع أن يكون ضامنا لعلاقات متوازنة تقوم علی الفهم المتبادل والعمل المشترك البناء خصوصاً وأن العراق باعتباره لاعبا أساسيا وقويا في المنطقة مؤهل للعب هذا الدور لما يتمتع به من امكانات مادية وبشرية وجيوسياسية.
نعلم أن مثل هذه المهمة ليست بالسهلة وليست بالبسيطة وتحتاج للمزيد من الجهد والمتابعة، لكن احتضان العراق باعتباره لاعبا مهما يمكن الاعتماد عليه لمثل هذا المؤتمر كان خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل تعزيز دوره في صياغة "النظام الامني الاقليمي" الذي تشارك فيه دول الاقليم بعيدا عن الاجندات الخارجية.
لا نعتقد أن مثل هكذا نظام يجب أن يحسب بانه موجه لطرف آخر بقدر ما هو خطوة لتنظيم قواعد التعايش السلمي الذي يخدم أهداف المنطقة. مشاركة الجانب الفرنسي يمكن أن تكون الضامن لهذا النظام الذي يهدف لدعم التعاون في المجالات المختلفة كالاقتصاد والتجارة والتنمية.