ثقافة المتحف

ثقافة 2021/09/07
...

لؤي حمزة عبّاس
 
في كتابه (المتحف والمتحفيّة، بدايات وامتدادات ثقافية) يتحدّث رضوان خديد، الباحث المختص في شؤون التراث والمتاحف، عن علم المتاحف وما يواجهه من تحدّيات ومصاعب فكرية ومهنية، وهو يطمح لتحقيق معرفة متحفيّة تمثل حاجةً حضاريةً تصبُّ في خدمة التاريخ والاثنولوجيا وعلوم الحياة الطبيعية، وتُعلي من شأن مؤسسة المتحف التي تشكّل إرثاً إنسانياً عاماً أسهمت الحضارات كلها في دعمه وتوطيد حضوره، إنه الفضاء الجامع «بين مقومات الأصالة وروح الحداثة، بين قيم الهوية وبين الاحتمالات اللانهائية التي تتيحها التقنية»، وهو المكان الذي يكشف مقدار تشابه بني الإنسان، مثلما يكشف إلى أي درجةٍ يختلفون في ممارستهم لبشريتهم وتأمين سبل تجاربهم والإفادة منها، ولا يقف حدُّ الأثر المتحفي عند الماضي الذي يُعنى بمختلف نتاجاته التقنية والفنية حسب، بل يعمل على رفد الحاضر بممكنات الوعي كما تجسدت لدى إنسان الحضارات الغابرة، وتهيئة الطاقة اللازمة لمستقبل يصون معارف الإنسان ويليق بكرامته، وإن من وظائف المتحف، بحسب تعبير المفكر المغربي محمد عزيز الحبابي «أن يواجهنا بهذا التحدي، وأن يستفزَّ فينا ردَّ الفعل الإيجابي، ويُحسُّ كلٌّ منّا أنه متأصل في أي ماضي، وفي أية خزانة، ومرتبط مع أية جالية خصوصية، ووارث لتراث ثقافي». 
إن لموضوعة المتحف ترابطات مهمة مع حقول معرفية متعدّدة، كالثقافة والمجتمع والإنسان والذاكرة، وهي تقود بالنتيجة لبناء موقف فكري، قبل أن تكون خلاصة معرفية، تؤكد استحالة تحقيق مشروع ثقافي مجتمعي بغير ركائز متحفية، إذ إن»تسارع إيقاع التاريخ من حولنا يجرّنا جرّاً إلى التفكير في مصير الذاكرة الجمعية، ويحثّنا على التأمل في حاجتنا إلى امتلاك الوسائل المتحفيّة الكفيلة بحفظ الشواهد الدالة على كلِّ لحظةٍ قويةٍ من زمن الفعل الاجتماعي».
إن التصور الأهم في كتاب رضوان خديد يشير إلى «إن المتاحف التي تتطلّع لها البشرية لم يتم إنجازها بعد، متاحف تتعالى عن الحدود الآيديولوجية والعرقية والدينية، متاحف تشكّل الاستثناء الثقافي الحقيقي، أي مؤسسات يموّلها فائض الثروة العالمي، لتكون عابرةً للقارات، وناقلةً للقيم الكونية النبيلة»، إن ثقافة المتحف تقودنا للتفكير بالدور الذي تلعبه في بلورة وعي الإنسان وزيادة معرفته بماضيه ومستقبله، كما عملت البشرية في عصور التنوير والعطاء العلمي والأدبي، من أجل تحديد مساراتهما بعيداً عن أسلاك الخوف والتوجّس، وخارج كلّ ما يحدُّ العقل من خنادق الكراهية التي حفرتها الضغائن والحروب والصراعات، وورثها الخلف عن السلف، وذلك يدعونا، في النهاية، ومثلما للمتحف أكثر من وجه مؤثر من وجوه الحضارة الانسانية فإن له وجهاً سلبياً مفاده فكرة أن يكون الإنسان نفسه متحفاً لأفكار لا يمسُّها هواء التغيير ولا تنكشف أمام نور الإضافة والتعديل، إنه الإنسان/ المتحف، أخطر أشكال الإنسان، إذ تكون علاقته بما يحمل من أفكار علاقةً صنميةً لا تنظر لحقائق الحياة التي يقع في صلبها التبدّلُ والتغيرُ لاقتراح سبل حياة جديدة.