حضروا متأخرين وقصص أخرى

ثقافة 2021/09/09
...

 ابراهام شانكر 
 
 ترجمة: عبد الصاحب محمد البطيحي  
 
(1) حضروا متأخرين 
كان الضابط الآمر في حالة من الغضب عندما فشل تسعة جنود، كانوا في الخارج، في الحضور ساعة التعداد الصباحي. لم يصل الأول منهم الا عند السابعة مساءً بعد جهدٍ. 
اعتذر قائلاً: «آسف سيدي. لكن كان لي موعد مع الحافلة لكنني لم أستطع اللحاق بها، ولأنني كنت عازماً على الوصول في الوقت المحدد استأجرت سيارة اجرة، لكنها تعطلت عند منتصف الطريق، فذهبت الى احدى المزارع وطلبت من صاحبها أن يبيعني حصاناً. لكن سقط الحصان ميتاً عندما كنت اعتليه باتجاه المخيم، مما دعاني الى أن أجتاز آخر عشرة اميال مشياً على الأقدام، وها أنا قد وصلت الى هنا للتو».
وعلى الرغم من الشكوك التي ساورت الكولونيل الا انه صرفه بعد أن وبخه. 
على كل حال، جاء بعده سبعة جنود متعبين يسيرون باصطفاف ورووا الحكاية ذاتها -الوقت المحدد، تأجير سيارة، شراء حصان.. الخ.
حينما شرع الجندي التاسع بتقديم تبرير وصوله المتأخر، كان الكولونيل قد سَئِمَ من كل ذلك. قال: حسناً. ماذا حدث لك الآن؟ 
أجاب الجندي: سيدي، كان لدي هذا التاريخ وتأخرت عن الحافلة، لذلك استأجرت سيارة اجرة. 
صاح به الآمر: انتظر! لا تقل ان سيارة الأجرة تعطلت. 
أجاب الجندي: كلا سيدي. لم تتعطل السيارة، كان الأمر أن هناك الكثير من الخيول الميتة ملقاة على الطريق.. واجهتنا مشكلة العبور.
 
 (2) نحو حياة أفضل                          
هناك قصة رائعة عن جيمس داين، أحد أعظم فناني جيل مضى، تروي انه طُلِب منه أن يسهم في عرض لقدامى المحاربين أبان الحرب العالمية الثانية. قال لهم ان جدول اعماله مزدحم للغاية، لكنه، على الرغم من انه لا يملك من الوقت المتاح الا أقله لا يتعدى بضع دقائق، سيحضر وإن لم يمانعوا سيقدم مونولوجاً قصيراً واحداً ثم يغادر – بالطبع وافق مدير الاحتفال وهو يشعر بالسعادة. 
لكن الغريب في الأمر انه ما أن اعتلى خشبة المسرح حتى حدث شيء مثير للاهتمام: بعد أن أدى جيمس المونولوج القصير مكث واقفاً. وظل هكذا حتى بعد أن تعالى التصفيق. 
بعد فترة وجيزة: خمس عشرة، عشرون، ثم ثلاثون دقيقة، انحنى اخيراً وغادر خشبة المسرح. 
اوقفه شخص ما وراء الكواليس وقال: اعتقدت ان عليك المغادرة بعد بضع دقائق. ماذا حدث؟  
أجاب جيمس: «كان عليَّ أن أغادر الحفل، لكن يمكنني أن أوضح لك سبب بقائي على الخشبة. كان يمكنك أن ترى بنفسك لو كنت تنظر الى الأسفل وترى الصف الأمامي». في الصف الأول كان هناك رجلان، كل منهما فقد ذراعه في الحرب. أحدهما فقد ذراعه اليمنى، والآخر فقد الذراع الأيسر.. غير انهما كانا قادرين معاً على التصفيق، وهذا ما كانا يفعلانه بصوت عالٍ ومبهج. هناك الكثير منهم ينتظر منك ما يثير عزائمهم، غير أنك، في أغلب الآحيان، وامام جدول اعمال مزدحم، تنسى أو تتجاهل أولئك الأشخاص، ليس تجاهل ذواتهم انما تجاهل السبب الذي ولدت من اجله في هذا العالم. واجبك كإنسان هو أن تلمس الحياة وتتركها على حال أفضل مما وجدتها.
 
(3)   غفران 
كانت هناك أداة غريبة يعمل عليها توماس. أ. أديسون تدعى «المصباح الكهربائي». تطلب الأمر أن ينصرف فريق كامل من الرجال مدى يوم كامل لتجميع مصباح واحد. بعدئذ اعطى اديسون هذه الأداة الفريدة الى صبي مساعد ليحملها الى الطابق الأعلى. صعد الصبي الدرج خطوة إثر خطوة يمسك المصباح بحذر خشية سقوط هذا المنجز الذي لا يقدر بثمن. 
 لكن، يا له من مسكين! لقد سقط المصباح من يديه وهو في اعلى الدرج. 
اقتضى الأمر بعد ذلك يوماً كاملاً لصنع مصباح آخر بديلاً عنه.
المفاجأة هي أن أديسون اعطى المصباح للصبي ذاته ليصعد الدرج تعبيراً عن الغفران.
 
(4) أين المجرفة؟   
انهار الجنود الاسكتلنديون، الذين خضعوا لتعسف خاطفيهم اليابانيين الذين حملوهم على العمل في سكة حديد في إحدى الغابات، غير أن شيئاً ما حدث ذات مساء.
اختفت مجرفة. 
غضب الضابط المسؤول وطالب بمجرفة بديلة، التقط سلاحه بعد ان لم يتحرك أحد من الجنود معترفا بذنبه. هدد بقتلهم جميعاً. ومن الواضح انه كان يعني ما يقول. 
أخيراً تقدم رجل، وسرعان ما ترك الضابط سلاحه والتقط مجرفة وهوى بها على الرجل الذي مات نتيجة لشدة الضرب. 
عندما انتهى الأمر، التقط الناجون الجثة الملطخة بالدماء وحملوها الى نقطة الفحص الثانية. هذه المرة، لم تكن هناك مجرفة مفقودة. تبين ان هناك خطأ ما في الحساب عند النقطة
 الأولى.
شاع الخبر، انتشر كالنار في الهشيم في جميع انحاء المخيم: كان هناك رجل بريء، استسهل التضحية بنفسه من أجل انقاذ الآخرين. 
ترك الحادث تأثيراً بالغاً. 
شرعوا بمعاملة بعضهم البعض الآخر بلطف أخوي، تمسكوا بفكرة عدم مهاجمة آسريهم «لا كراهية، لا مزيداً من القتل. ما هم محتاجون اليه هو المغفرة». 
 
من كتاب «مئة قصة وقصة» مجموعة قصص قصيرة مثيرة. طبع الكتاب عام 2020