ريسان الخزعلي
في بعض حكايات الشعوب الشعبيّة التي تعد جزءاً من ثقافاتها الشعبية العامة - الكثير من التشابه: تشابه الفكرة، تشابه البناء الحكائي، غير ان الصياغات سواء كانت شفاهية أو تدوينيّة، تكون متفاوتة ومتباينة بشكل أو آخر
إنَّ مثل هذا التشابه لا يقتصر على الحكايات الشعبية، وانما يمكن ملاحظته في الاساطير ايضاً لدى مختلف شعوب الارض، وقد كُتبت دراسات متعددة في هذا المجال، أفاضته ُ بحثاً وتأسيساً وتأصيلاً.
في كتاب (الحكاية الشعبية العراقية – دراسة ونصوص) للاستاذ كاظم سعد الدين، استوقفتني اربعة نصوص (شعرية ونثرية) لحكاية واحدة، تُعزز فكرة تشابه الحكايات الشعبية عند مختلف الشعوب. ففي حكاية (شجرة جونيبر) المشهورة على لسان (كرشن) في (فاوست) لها ما يقابلها في لغات أخرى.
ففي النص الالماني القديم، ترد الحكاية الشعبية هكذا:
أمي التي ذبحتني، أبي الذي أكلني، أختي الصغيرة تبحث عن ساقيَّ وتلفهما برباط من حرير، تفتحهما تحت شجرة الجوز.. طر.. طرأنا عصفور جميل .
أما نص أغنية (جوته) فيرد على النحو الآتي:
أمي التي قتلتني، أبي الوغد الذي أكلني
أختي الصغيرة دفأت ساقيَّ في مكان رطب..،
هناك اصبحت ُ طيراً جميلاً في الغابة.
طر ايها الطائر، طر ايها الطائر.
وفي النص المصري:
انا الديك الاخضر.. امشي عالحيط واتمخطر
ومرات ابوي دابحاني، وابوي ياكلني حامي
واختي تلم عظامي.
أما النص العراقي، فالطير يُلخّص الحكاية بأغنية:
انا طير اخضر
امشي واتبختر
أمي ذبحتني، وابوي اكلني
واختي العزيزة لمّت اعظامي واحيتني.
إنَّ تفاصيل الحكاية الشعبية هذه قد وردت في الكثير من المرويات الشفاهية والتدوينية وبطرائق روي مختلفة، لكنها تمسك بفكرة الحكاية ذاتها، وهنا أُورد نص الاستاذ كاظم سعد الدين، لما يمتاز به من اختزال وتركيز وتحليل، وبتصرف محدود جداً:
الحكاية تُبيّن قصة زوجة الأب التي خدعتها جارتها، ورتّبت لها ذبح ابن زوجها من زوجته المتوفاة، وقدّمت لحمه في شكل (كبّه) ..، وبعد ان يأكله الأب تأخذ اخته عظامه وتجمعها وتدفنها تحت (حِب) الماء، فتنبت نبته، تكبر وتثمر(رقيّه) بطيخة حمراء، تنضج وتنشق
ويخرج منها طائر اخضر ينشد تلك الاغنية وينتقم من ابيه وزوجته، ويُكافئ اخته لانها اعادته الى الحياة.
وفي تحليل المؤلف الذي يستند الى كتاب الدكتور فاضل عبد الواحد (عشتار ومأساة تموز)..، تكون هذه الحكاية مشابهة الى اسطورة تموز وأخته (كشتن – انا) التي افتدته من الموت في العالم السفلي بديلاً عنه، وانقاذه من قبضة شياطين العالم السفلي المتمثلة بزوجة الأب.
في تشابه الحكايات والاساطير، لا بدَّ من الاشارة الى انَّ الحكايات الشعبية العراقية تعد من اولى الحكايات تأريخاً - تأسيسا وتأصيلا وتأثيراً، ولنا في الاداب السومرية والبابلية والآشورية والاكدية اكثر من دالّةٍ ودليل.
من هنا يكون تعليل تشابه بعض الحكايات الشعبية لدى شعوب الارض، يعود الى انتشار تلك الاداب وتأثيرها كما يؤكد ذلك (صاموئيل نوح كَريمر) في الكثير من كتبه ودراساته: من الواح سومر، الاساطير السومرية، وغيرها، وهكذا يكون مثالنا (أربعة نصوص لحكاية واحدة) تماهياً مع توصلات (كَريمر)، حيث يقول، كما جاء في كتاب الحكاية الشعبية
العراقية:
إنَّ السومريين انتجوا ادباً واسعاً راقي التطوّر، يتميز بالسمات الشعرية بصورة عامة، ويتكون من الملاحم والاساطير والتراتيل والمراثي والامثال والحكم..، وقد نقل الآشوريون والبابليون المؤلفات الادبية السومرية بأَسرها وترجمها الحيثيون الى لغتهم وقلّدوها بصورة واسعة لا ريب فيها.
وتأثرت بها المبتكرات الادبية العبرية والى حدٍ ما الاغريقية القديمة شكلاً ومضموناً بصورة عميقة جداً.
وفي تعليق للمؤلف على قول كَريمر يقول:
انتقلت اذن كثير من الاساطير والمعتقدات السومرية الى هذه الاصقاع المتباعدة وصرنا نعتبرها اصيلة في بلدها لجهلنا تاريخنا وتاريخ اساطيرنا
وحكاياتنا .
ومن قول كَريمر وتعليق المؤلف، تتضح فاعلية التأثير، هذا التأثير الذي أوجد ويوجد التشابه في الحكايات الشعبية والاساطير، ومنها الحكاية الشعبية (شجرة جونيبر) التي وصلتنا بأربعة نصوص: شعرية ونثرية.