الأحزاب السياسيَّة العراقيَّة 1922- 1958 من أزمة الجماهير الى سطوة الإيديولوجيا

فلكلور 2021/09/09
...

 د. حيدر شاكر خميس
ان جذوة التنظيمات السياسية في العراق تعود الى أواخر العهد العثماني، وكانت تراوح في مطالبها بين الاصلاح في ظل الدولة العثمانية، مثل مساواة العرب والاتراك وعدَّ اللغة العربية لغة رسمية، والاستقلال عن الدولة العثمانية، واقامة دولة عربية مستقلة، الا أن أحداث الحرب العالمية الاولى وتأثير الاحتلال البريطاني من الأسباب الرئيسة، لنشأة تلك التنظيمات التي ظلت غير مجازة رسميا ودعت الى الاستقلال والسيادة وبناء الدولة.
 بعد عام على إعلان قيام الدولة العراقية في العام 1921، وبموجب قانون الأحزاب الذي صدر في اوائل العام 1922، وتحديدا في 2 آب 1922 حصل جعفر ابو التمن على اجازة رسمية لتأسيس أول حزب سياسي عراقي اسماه {الحزب الوطني الديمقراطي العراقي}، وتوالت ولادات الاحزاب السياسية، التي اشتركت في الحياة النيابية في العهد الملكي، إذ تأسس {حزب النهضة العراقية} في 19 آب 1922 بزعامة امين الجرجفجي، الذي دعا الى الاستقلال عن الانتداب البريطاني برئاسة حكومة ملكية دستورية عربية تعمل على اقامة وحدة وطنية عراقية، ثم الحزب الحر العراقي (حزب الاحرار ) {الذ تأسس في 3 ايلول 1922 برئاسة محمود النقيب واصدر جريدته {العاصمة}، وفي 19 اب 1924 تأسس {حزب الامة} برئاسة ناجي السويدي، الذي طالب بصياغة دستور للبلاد واجراء انتخابات نيابية، و{حزب الاستقلال الوطني الذي اسس في الموصل في 1 ايلول 1924 ودعا الى تقوية العلاقات البريطانية العراقية، من اجل ضم ولاية الموصل التي كانت تطالب بها تركيا، و{حزب التقدم} الذي تأسس في 14 تشرين الثاني 1925 برئاسة عبد المحسن السعدون، ويعد اول حزب برلماني عراقي، دعا الى تطبيق بنود المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1925 والعمل على ادخال العراق لعصبة الامم، و{حزب الشعب} الذي تأسس في 20 تشرين الثاني 1925 برئاسة ياسين الهاشمي، وتتلخص أهدافه في تأمين استقلال العراق وتطوير القوى الوطنية وادخال العراق لعصبة الامم، واصدر جريدته {نداء الشعب}، و{حزب العهد العراقي} الذي تألف برئاسة نوري السعيد في 14 تشرين الاول 1930، وكان حكوميا مؤيدا لسياسة التحالف مع بريطانيا، ونادى بتنمية البلاد وتنظيم الادارة والجيش والتعليم، وأصدر جريدته {صدى العهد}، وحزب {الاخاء الوطني}، الذي تشكل في 25 شباط 1930 برئاسة ياسين الهاشمي، وكان ينادي بتحقيق الاستقلال وارساء الوحدة الوطنية وحماية الصناعة الوطنية، واصدر صحيفته {البلاد}، وحزب {الاتحاد الدستوري}، الذي تأسس في 21 تشرين الثاني 1949 برئاسة نوري السعيد واصدر صحيفته {الاتحاد الدستوري}، وحزب {الاصلاح}، الذي تأسس في عام 1949 برئاسة سامي شوكت، أحد المقربين من نوري السعيد واصدر صحيفة {الاصلاح}.
 اختلفت سلوكيات هذه الاحزاب، عندما بدأت الحياة البرلمانية عام 1924، اذ بعض الأحزاب بدأت تتحرك على أساس السعي للأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومات أو الائتلافات الحزبية الحاكمة، فتكونت أحزاب تقودها شخصيات سياسية نافذة في الحكم، مثل حزب الشعب برئاسة ياسين الهاشمي، وحزب التقدم برئاسة عبد المحسن السعدون، وحزب العهد برئاسة نوري السعيد.
 بينما كانت في المقابل هناك أحزاب معارضة مثل الحزب الوطني العراقي، الذي كان يصدر صحيفة {صدى الاستقلال} ومن قادته محمد جعفر أبو التمن ومحمد صدر الدين ومحمد الكاظمي وعبد الحسين الجلبي، وقد تعرض قادة هذا الحزب للنفي والاعتقال. 
ومن أحزاب المعارضة كذلك حزب النهضة برئاسة أمين الجرجفجي، وكان يصدر صحيفة {النهضة} ويرأس تحريرها أمين الخزار، ثم صحيفة {صوت العراق} وكان يحررها مزاحم الباجة جي. 
ومن هذه الأحزاب أيضا حزب الإخاء الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني.
 اما الاحزاب المعارضة التي لم تشارك في الحياة البرلمانية، فيمكن تقسيمها بصورة عامة الى ثلاث مجموعات، هي التيار الماركسي والتيار القومي والتيار الديني، وكانت معظمها امتدادا لإيدولوجيات خارجية، أسهم في نشرها الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات العربية والاوربية، ويأتي في مقدمتها الحزب الشيوعي الذي بدا ظهوره السري في العراق في اوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، وبدأ عمله المنظم في أربعينيات القرن الماضي، وكان يصدر صحيفة {الصحيفة} ثم {كفاح الشعب}، وقد ألقي القبض على قادته عام 1947، وأعدم قائده فهد (يوسف سليمان يوسف)، وكان الإخوان المسلمون يعملون تحت مظلة "جمعية الأخوة الإسلامية"، ومن قادتهم الشيخ محمد محمود الصواف وعبد الكريم زيدان. 
ونشأت أحزاب كردية مثل هيو (الأمل)، وقد تأسس عام 1937 بمبادرة من بعض المثقفين والضباط الكرد، ومن قادته مصطفى العزيري ويونس رؤوف، وكان يصدر صحيفة آزادي (الحرية).
 لقد شهدت مرحلة العهد الملكي ظهور مجموعات مختلفة من الأحزاب السياسية المختلفة، يمكن تلخيص ابرز سماتها بما يأتي: 
1 - يغلب عليها الطابع الوطني، وليس النزعة الطائفية أو الولاءات الفرعية، لذلك استمر الوعي الوطني/ القومي قوياً عندما سقط الحكم الملكي عام 1958، وشهد تصاعد الحركة الوطنية، وتحرك الفئات الدنيا واندماجها في الحياة السياسية.
2 - أحزاب لا تتبنى برامج سياسية طويلة الأمد، اذ إنها لا تقرر نظام الحكم المستقبلي في العراق، وتشكيل حكومة دستورية تمثل إرادة الشعب، وتضع الخطوط العريضة لإعادة بناء البنية التحية ومعالجة مشكلات الخدمات المتعلقة بحياة المواطنين.
3 - أحزاب ترفض النظام الملكي وتطالب بأن يكون حكم الملك رمزياً لا يمارس العمل السياسي الفعلي، حيث بدأت هذه الدعوة، عندما رفض النظام الملكي تبني مشروع الانفتاح السياسي، الذي يقوم علي أساس التعددية السياسية رغبةً منه لاحتكار السلطة والبقاء فيها.
4 - ضعف او انعدام القاعدة الجماهيرية الحزبية، لقصر حياة الأحزاب السياسية ووقوع الأحزاب السياسية أسيرة الصيرورة والتحول المفاجئ.
خلاصة القول: إن السمة الابرز لأحزاب العهد الملكي التي اشتركت في الحياة البرلمانية في العراق 1922 - 1958، هي انها كانت أحزاب صالونات غير جماهيرية، نتجت عن تحالف مؤقت بين الطبقة البرجوازية الناشئة والاقطاعيين بتوجهات وطنية، بشعارات مثلت توجهات وميول النخبة الاجتماعية والسياسية آنذاك، وانتهت بعد سقوط الملكية وتأسيس النظام الجمهوري في عام 1958، وتعاظم دور الجيش في السياسة، وظهور الاحزاب الايديولوجية الجماهيرية، التي اعتمدت على القواعد الشعبية الكادحة وتصدرت المشهد السياسي بقوة جماهيرها ومساحة تأثيرها الشعبية، على الرغم من انها استوردت إيدولوجياتها من خارج الواقع العراقي.