التداعيــات النفسيــة لانهيــار مخيال خلافــة

آراء 2019/02/27
...

عقيل حبيب
اولا يجب أن نعرف ان الخلافة ليست حدثا طارئا على الفكر والتاريخ الاسلامي العربي، ثم اننا يجب ان نضع امام اعيننا ان فكرة الخلافة تقوم اساسا على استبعاد أن يكون الشعب مصدر السلطات ولا السيادة للشعب، وهذا ما تعرف فيه النصوص الصريحة والامبراطوريات والدول التي حكمت الديانة الاسلامية فيها، كذلك هذا ما تظهره البنية المفاهيمية للفكر الإسلامي وسياقاته الخطابية. فالشكل الديني هو الذي يعين شكل الحكم ونوع الحاكم الذي يتم اختياره من قبل عدد من رجال الدين تاركين وراء ظهورهم جميع افراد وفئات المجتمعات، فتحل البيعة بدلا عن مبدأ الانتخابات، حيث يبايعون فيها الحاكم/الخليفة على الكتاب والسنة، وبعد هذا تتخذ جميع المسائل الأخرى التي تشكل الحياة الاجتماعية والسياسية والنفسية والدينية كلها يتم النظر اليها من منظار الشريعة، التي هي وحدها من يشكل نظام الحكم.
إذن يمكن اعتبار مفهوم الخلافة مفتاح الولوج للخطاب الاسلامي السياسي، الذي يعطي الامساك العلمي به (مفهوم الخلافة) نتائج نظرية وعملية تفيد المتخصص وغير المتخصص، وتفيد النخب الاكاديمية والبحثية والسياسية من اجل بلوغ آلية تفكير هذا الخطاب. فعلى المستوى النظري يقدم مفهوم الخلافة مدخلا نظريا لأية صياغة علمية لمشكلة التطرف الاسلامي ، وما يخلفه من ارهاب. أما ما يتيحه لنا هذا المفهوم الإشكالي على المستوى العملي فإنه يمكننا من فهم ما يحصل للمسلمين في الوقت الحالي من تداعيات وما يتعرضون له من هزات داخلية عنيفة، وهم يرون التطبيق العملي لفكرة الخلافة على ارض الواقع.
الجميع يعلم ان داعش قامت بتحويل مفهوم الخلافة من مجرد فكرة (يوتوبيا) - لم تفارق الذهن الاسلامي منذ سقوط الدولة العثمانية – الى نظام سياسي واجتماعي قائم على ارض الواقع، ليجد نفسه هذا المسلم الشقي (بالمعنى الهيغلي) بمواجهة واحدة من أهم اركان مخياله الاجتماعي والسياسي وهو ينهار امام عينيه على ارض مدينة الموصل العراقية. ولكن هل لنا أن نسأل: كيف سيلملم اجزاء وعيه المحطم؟ وماذا سيصنع منها هذه المرة؟ هل سيصنع وجها بملامح داعش أم...؟ هذا ما ستجيب عنه علاقة المسلم بفكرة الخلافة.
تنقسم مراحل تطور الفكر الاسلامي السلفي الى مرحلتين، الأولى هي المرحلة النهضوية (الافغاني، ورشيد رضا، وخير الدين التونسي، وابن باديس) والمرحلة الثانية هي مرحلة الاحيائية أو الصحوة في اتجاهها المتشدد الذي شهد التحول من السلفية الجهادية الى السلفية الجهادية المقاتلة، وهذا الاتجاه هو الذي كانت له السيادة خلال عقد الخمسينيات والستينيات وحتى سقوط بغداد(حسن البنا وسيد قطب والمودودي والهضيبي والظواهري وعبد السلام فرج)، حيث شهد قفزة التحول النوعي نحو التنظير الحركي الممهد لفتاوى القتل والارهاب المعولم عند (بن لادن وابو قتادة والمقدسي والشامي)، وهذا الاتجاه سوف يجد تطبيقاته على يد الزرقاوي وابو عمر البغدادي. وهو اتجاه يمكن اعتباره نهاية مرحلة الفكر والتنظير، فلم تعد الحركات الاسلامية المتشددة بحاجة لهذه النظريات، بل على العكس هي كل ما تحتاجه حكم فقهي (فتوى) سهل التطبيق سيلبي هذه الحاجة (شرعي) الحركة أو التنظيم، من اجل تقديم الفتوى للجناح العسكري.
هذا الأرث الفقهي الجهادي المتطرف الذي كان يدور حول فكرة الحكم سيستلمه البغدادي جاهزا، لتجد فكرة الخلافة على يده أول تطبيق فعلي لها منذ انهيار الدولة العثمانية. لذا فإن فكرة الخلافة هذه هي التي كانت وراء كل هذه الأعداد الكبيرة التي وفدت الى ارض الخلافة المزعومة، وايضا فكرة الخلافة هي من يشكل حجر الزاوية الذي يرتكن له المخيال السياسي. هذا المخيال هو من دفع بالعديد من الصور الفنتازية واللا واعية لتطفو فوق سطح وعي المسلم البسيط الذي يتخيل نفسه في حرب عالمية كونية يقوده (خليفة رسول الله) ضد الغرب الكافر والمتغربنين من اتباعهم. 
في كل هذه المراحل (والآتية ايضا) وفكرة الخلافة لم تفارق الفكر الاسلامي، وبنفس الآليات القديمة مع إضافة ما يستجد من الاحداث تفسر لصالح نفس الفكرة كانهيار الأنظمة الوطنية في (الربيع العربي). ومن تلك الآليات والحجج التي يلوكها العقل الاسلامي لتبرير اعتقاده بنظام الخلافة هو أنها نظام إلاهي بلغ عنه النبي محمد بعدد من النصوص الصريحة، كذلك ارتبطت فكرة الخلافة بانتصار العرب واستعبادهم للشعوب ويجد العقل الاسلامي فيها راحة وتعويضا نفسيا كبيرا له وحجة كلامية ليقول لجمهوره: بالخلافة انتصرنا. ولكن هل بالخلافة انتصر العرب المسلمون؟ هل تعد الفتوحات انتصارا فعليا للعرب؟.