في وداع القاص البصري محمود الظاهر

ثقافة 2021/09/11
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
رحل صباح الخميس القاص البصري الرائد محمد الظاهر في مدينة البصرة التي ولد وعاش فيها. الظاهر الذي بدأ النشر في خمسينيات القرن الماضي، وعرف عربياً من خلال مجلة الآداب البيروتية، ليبتعد في السنوات الأخيرة بعد مرضه وإلزامه البيت لسنوات طويلة.
بدأ الظاهر الكتابة منذ خمسينيات القرن المنصرم، ونشرت نتاجاته في صحف البلاد والشعب وغيرها، ايضا كتب ونشر في مجلات المعرفة اللبنانية والورود والآداب في العام 1958، قدم مجموعة حملت عنوان (سياط كانون) التي أحدثت ضجّة ورفضت من قبل الرقابة في حينها، واصل نشاطه بنشر نتاجاته في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، حيث طبعت له مجموعة (النافذة) بحسب تصريح لاتحاد الأدباء العراقيين، كتب وتحدّث عنها نقاد كثر منهم الراحل الدكتور علي جواد الطاهر وفاضل ثامر والدكتور داود سلوم، وكتب عنها ايضاً الكاتب اللبناني مروان عقيقي، وفي تلك الفترة أصبحت (النافذة) ركيزة أساسية للجيل الذي تلا محمود الظاهر، في العام 2004 أصدر روايته الموسومة (تقاطع الازمنة) عن دار الشؤون الثقافية العامة، من جانب آخر صحيفة الاديب العراقية أصدرت ملفاً خاصاً عنه في العدد 145 في
23 /5 /2007، كما كتب الناقد فاضل ثامر دراسة نقدية عن الرواية نشرت في صحيفة الصباح في العدد 1792 في 10/10/2009 وكانت تحت عنوان (السرد وتصدع البنية الإطارية)، جاهد محمود الظاهر من اجل تحرير القصة العراقية من الواقعية
النقدية
في حوار معه وسؤال عن الأجيال والتقسيمات الأدبية في العراق، يجيب الظاهر: ابتداءً اعترض على كلمة جيل الوسط بالنسبة لي على الأقل لأنني كتبت القصة في بداية الخمسينياتأ إلا أنها لم تكن في مستوى القص الذي كان جيل التكرلي وعبدالملك نوري يمثلونه، ولكن مع ذلك استطعت أن أضع قدمي على خط القص الجيد، وفي منتصف الخمسينيات جاهدت، لأن أعطي لنفسي الحق بأن أطبع مجموعة قصصية عنوانها (سياط كانون) في عام 1955 إلا أنَّها رفضت من قبل الرقيب وذلك بسبب العنوان، حينها أنقذني مدير الرقابة الأستاذ الخولي وأقنعني بأن أغير العنوان إلى (درب المراهقات) لاقت هذه المجموعة صدى طيباً، علماً بأنها نشرت في مجلتي الورود والمعارف وكتب عنها في حينها على ما أتذكر باسم عبد الحميد حمودي ونزار عباس، ولكن أهم من تصدى لها هم أ. د داود سلوم وعبد الصمد خانقاه وشجاع العاني وغيرهم.
لقد حفّزتني هذه المجموعة لأن أتلافى السرد التقرير والبحث عن أسلوب جديد غير مطروق في تلك المرحلة، أنَّ الجهد المتواصل والقراءات المتعددة إلى جانب لغتي الانكليزية، التي ساعدتني على الاطلاع والقراءة على ما يصدر من كتب هنا وهناك، لذا اعتقد أن (جيل الوسط) الذي أطلقه النقاد ليس خطأ ولكنه متسرع، إذ إنَّ معظم (جيل الوسط) كان يكتب في الخمسينيات إلّا أنَّه لم ينشر ويطبع بسبب خوفه من الفشل، ولا ننسى أنَّ الخمسينيات طرحت نقّاداً كباراً كانوا يقومون بتحليل ما يصدر من مجاميع قصصية ومنها مجموعتي في حينها، كذلك أصدر الزملاء باسم عبد الحميد حمودي ونزار عباس وعبد الصمد خانقاه وجاسم الجوي وموفق خضر وغازي العبادي وغيرهم مجاميع قصصية، ومن البصرة في الخمسينيات مهدي عيسى الصقر ومحمود عبدالوهاب ويعرب السعيدي، وفي الستينيات برز القاص الصديق المميز محمد خضير، هؤلاء كانوا يمتلكون ناصية القصة الشبابية أن صح التعبير.
ويصف الظاهر تجربته بقوله: تجربتي كانت مؤلمة جداً لأنَّها اختلطت بالسياسة، لقد كنت ضمن تنظيم قمنا بانقلاب فشل فشلاً ذريعاً وقد حكم على جماعتي بالإعدام، أما أنا فهاجرت إلى الكويت على ظهر جمل، وأني أعد ذلك نوعاً من الضريبة للوطن.. لذلك كانت بدايتي حزينة حتى أن قصصي الأولى رفضت من قبل الرقيب لأنَّها كانت تحمل الطابع السياسي.. ولكن في مجموعة النافذة اختلف الأمر فقد كتبت وطبعت ونشرت خلال شهر واحد، ومن خلالها وجدت أن الكتابة القصصية لست سهلة وانما تحتاج الى تجربة قاسية ومعاناة.. أما الآن تجدونني ساكناً ومعزولاً لأنني غير راضٍ عن الواقع الثقافي والإعلامي والاجتماعي والسياسي، فالواقع الثقافي والأدبي العراقي الآن يشهد تراجعاً بعد أن بلغ أوج جماله خلال العقود الماضي حتى فترة الثمانينيات، وهذا ما جعلني ابتعد.. وإلا فالقاص والأديب لا ينزوي بسهولة.
وفي إجابة له عن سؤال الحضور حول انتقاله من القصة إلى الرواية، قال: أفضل القصة على الرواية لأنَّها تعطي شخصية واحدة تتحدّث عنها وتظهر إبداعاً مميزاً عن الرواية، التي قد تأخذ القارئ إلى عوالم بعيدة عن المحيط الأدبي كالسيرة الذاتية مثلاً وهي تتحدث عن عدة محاور وشخصيات.
وفي معرض نصيحته للجيل الجديد قال: أقول للجيل الجديد لا تستعجلوا النشر قبل ان تتأكّدوا من القيم الفنية والأدوات والتقنيات الأدبية الصحيحة.
من جهته، وصف الشاعر فاضل ثامر القاص محمود الظاهر بأنَّه رمز من رموز القصة العراقية منذ خمسينيات القرن الماضي, وأوضح: أنَّه بدأ مشروعه الثقافي والأدبي بالهموم الاجتماعية التي أثرت في مستوى الصياغة الأدبية والتقنيات السردية لديه، وجعلت تجربته تميل إلى السطح الخارجي للإنسان في وقت لم يكن بعيداً عن الحداثة، التي أخذت تبحث في أعماق النفس الإنسانية، وقد أصدر في أواخر الخمسينيات مجموعته الأولى (دروب المراهقات)، ثم أعقبها خلال فترة الستينيات بمجموعته الثانية (النافذة) وبعدها ولدت مجموعته الثالثة (ممر على الرصيف)، قبل أن يدخل عالم الرواية من خلال (تقاطع الأزمنة).