عشية انعقاد اجتماع جديد في أنقرة لمجموعة العمل التركية – الأميركية بشأن سوريا؛ وجه مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، انتقادات شديدة للولايات المتحدة إثر تراجعها عن قرار سحب قواتها من سوريا، والإبقاء على بضع مئات منها لحفظ السلام، ومنع نشوب معركة جديدة بين القوات التركية والتنظيمات المسلحة الكردية، في وقت تمسك فيه رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي، بموقفه المطالب بسيطرة أنقرة على «المنطقة الآمنة» المقرر إنشاؤها في شمال شرق سوريا، رافضا أي سيطرة بديلة تهدد بلاده، وسط تحذير صحف تركية من «قوة السلام» الغربية المراد تشكيلها ونشرها بدل القوات الأميركية.
انتقادات تستبق اجتماع مجموعة العمل
وقال وزير الخارجية التركي، في حديث صحفي: إن مجموعة العمل المشترك التركية - الأميركية ستبحث في أنقرة من 28 شباط، وحتى 1 آذار، الانسحاب الأميركي من سوريا، فضلا عن الأوضاع في مناطق غرب الفرات وشرقه، وعلى رأسها منبج وعفرين الواقعتان تحت سيطرة التنظيمات المسلحة الكردية.
وانتقد جاووش أوغلو قرار واشنطن الأخير الإبقاء على 400 عسكري في سوريا في إطار قوة لحفظ السلام، المتخذ بعد إعلان الانسحاب، مصرّحا «في الجوهر يشير هذا إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى ستراتيجية بشأن سوريا. حاولنا مساعدتهم في هذا الأمر. يتفقون على قضية التنسيق معنا، لكننا بحاجة إلى فهم مشترك حول المنطقة الآمنة وغيرها من الموضوعات. سيجتمع فريق العمل المشترك لهذا الغرض، وسيتبادل المشاركون في الاجتماع الأفكار والآفاق حول ما يجب فعله».
ويقدر عدد العسكريين الأميركيين المنتشرين في سوريا حاليا بأكثر من 2000.
وكان باتريك شاناهان، وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، أعلن أن واشنطن ستنشئ قوة مراقبة متعددة الجنسية، لتحل محل القوات العسكرية الأميركية في شمال وشمال شرق سوريا.
وأعلن ليندسي غراهام، السيناتور الأميركي، أن خطة الرئيس دونالد ترامب تهدف للدفع صوب نشر ما يصل إلى 1000 جندي أوروبي في المنطقة الآمنة.
ويدور حديث في وسائل الإعلام التركية عن رفض الجانب الأميركي نشر قوات تركية أو حليفة لها في المنطقة الآمنة.
استمرار الخلاف بشأن المنطقة الآمنة
ورفض الرئيس التركي، بدوره، السماح بتولي من يشكل تهديدا لتركيا مسؤولية الإشراف على المنطقة الآمنة، قائلا «لا يمكن أن نترك تلك المنطقة (...) سنكون حاضرين هناك».
وجدد إردوغان، في مقابلة تلفزيونية، تأكيد ضرورة اضطلاع تركيا بالإشراف على المنطقة الآمنة، وتحقيق هدفها بإخراج التنظيمات الكردية من منبج، وسحب الأسلحة الأميركية منها.
وذكر أن «إصرارنا واضح، وهو أن تبقى المنطقة الآمنة التي تعد أمرا بالغ الأهمية لنا، تحت السيطرة التركية، ولن نتركها لألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة».
ولفت الرئيس التركي إلى أن المباحثات التركية – الأميركية مستمرة للتأكد من أن قرار الانسحاب الأميركي من سوريا ليس مجرد وسيلة مماطلة هدفها تأجيل العملية العسكرية التركية ضد التنظيمات الكردية في شرق الفرات.
وعكس تصريحه هذا: «لكن لو تحول الأمر إلى عملية إلهاء فسيكون لنا موقف مختلف، وعلى ما أعتقد ليس الأمر كذلك، فمنذ عدة أيام تحدثت مع الرئيس ترامب هاتفيا وتناولنا مثل هذه الموضوعات» عكس حالة من عدم اليقين إزاء القرار الأميركي الأخير، معتقدا أيضا «سيسحبون معظم جنودهم من سوريا، وربما يتركون هناك تواجدا رمزيا بعدد يتراوح بين 300 و400 وربما 200 شخص، أو ربما 500 شخص بشكل إجمالي، بما في ذلك قواتهم المشاركة في التحالف الدولي».
تحذير من «قوة السلام»
وحذرت صحف تركية من تشكيل قوة لحفظ السلام في سوريا، عادة هذه القوة «لعبة» أميركية جديدة، في إطار «لغز» سحب القوات الأميركية من سوريا.
وقال بيرجان توتار، الكاتب في صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة التركية، إن «علينا الحذر الشديد في مسألة قوة السلام الأميركية، فلم يعد هناك من يجهل أن قوة السلام، على وفق المفهوم الغربي، تأخذ دورا في توسيع الاحتلال وتأجيج الحرب والاقتتال»، متسائلا «هل هناك من لا يعلم بأن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية المطروحة بمكياج جديد هي ستراتيجية للاحتلال والإبادة؟».
ونبّه توتار على الانخداع بقلة عدد «قوة السلام» لافتا إلى أن «المهم ليس العدد بل الغاية والتعريف الستراتيجي، وبحسب البنتاغون فإن القوة ستعمل على مواصلة التنسيق مع تركيا في أثناء عملية إنشاء المنطقة الآمنة».
ورأى الكاتب التركي أن «الهدف الحقيقي لواشنطن هو إبقاء سيطرتها على وحدات حماية الشعب الكردية، ومنع تقاربها مع النظام السوري لتستخدمها ورقة ضد تركيا»، معتقدا أن «الاتفاق المحتمل بين دمشق والوحدات يعني إخراج الولايات المتحدة من العملية السياسية المتعلقة بمستقبل سوريا. ولهذا يجب ألا تتفق دمشق مع الوحدات حتى يكون للولايات المتحدة كلمة في سوريا».
ودعم أكثر من كاتب تركي ضرورة لقاء إردوغان وترامب لحل الخلاف في سوريا.
وكتبت هاندة فرات، في صحيفة حريت، إن «اللقاء بين الزعيمين، وعلى مستوى الوفود، سيكون حاسما للعديد من القضايا، وفي مقدمتها غير المنتظر حسمها بشكل فوري، كالانسحاب الأميركي من سوريا، والمنطقة الآمنة».
ويجري التحضير في أنقرة وواشنطن للقاء بين الرئيسين التركي والأميركي من دون تحديد موعد بعد.