محمد صالح صدقيان
تَنشط عدة أوساط دولية وإقليمية لإنعاش "الاتفاق النووي" الذي ظل مسجی في غرفة العناية المركزة منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحابه من هذا الاتفاق عام 2017 وفرض عقوبات علی إيران.
ست جولات من المباحثات التي عقدت في العاصمة النمساوية فيينا في الفترة من نيسان وحتی حزيران من هذا العام لم تستطع إحياء هذا الاتفاق بسبب التزام الجانبين الايراني والأميركي بمواقفهما، حيث يصر الجانب الايراني علی الغاء العقوبات التي فرضتها الحكومة الأميركية السابقة كخطوة مهمة لاحياء الاتفاق النووي بينما أصّر الجانب الاميركي علی الغاء بعض العقوبات وإضافة بند يكون باباً للدخول في نقاش بشأن علاقة ايران باصدقائها في المنطقة والمنظومة الصاروخية التي تمتلكها.
الموقفان لا زالا علی حالهما، لكن الجديد الذي طرأ هو تشكيل الحكومة الايرانية الجديدة التي تريد تغيير المسارات وتعديل الزوايا، حيث تحدثت المصادر عن رسالة نقلتها طهران للجانب الاوروبي مفادها انها تعتقد أن استئناف المباحثات مع المجموعة الغربية يجب أن يتم علی أساسين؛ الأول رفع الحظر عن الودائع الايرانية المجمدة في بنوك بعض الدول والتي تقدر بـ20 مليار دولار وهي أثمان النفط الذي باعته ايران لبعض الدول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند قبل الذهاب الی فيينا، اضافة الی موافقة الدول الاعضاء في المجموعة علی تركيز المباحثات علی آلية احياء "الاتفاق النووي" الذي تم التوقيع عليه عام 2015 من دون التطرق لأي بند آخر. المعلومات تشير الی وقوف روسيا والصين الی جانب الموقف الايراني باعتبار "الاتفاق النووي" وثيقة دولية يجب الالتزام بها فيما يتأرجح الموقف الاوروبي بين سندان ايران والمطرقة الاميركية.
الزيارة التي قام بها المندوب الاميركي في الشأن الايراني روبرت مالي الی موسكو وباريس حاولت توضيح الموقف الاميركي ورغبته في التوصل مع ايران لاحياء "الاتفاق النووي" اذ رأت فيه موسكو بأنه مشجع، لكن طهران لازالت تعتقد ان الجانب الاميركي يريد تسليط سيف الضغوطات والتهديدات علی طاولة المفاوضات وهذا ما رفضه الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الذي قال انه "لا معنی لمباحثات تجری في ظل التهديد والوعيد".
وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن قال الاربعاء الفائت في برلين ان الوقت ينفد امام ايران للعودة للاتفاق النووي غداة تقرير لاذع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن طهران قالت اذا عمد الجانب الاميركي الى استصدار قرار يدين ايران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فذلك يعّقد مسار فيينا التفاوضي ولهذا الموقف تداعياته التي يعرفها الجانب الاميركي بشكل جيد.
الاميركيون يتحدثون عن اعلان يريدون بثه يتعلق بفشل المفاوضات مع ايران - ليس مهماً- لأنهم غير قادرين علی هضم تداعيات مثل هذا الاعلان علی المستوی العملي في مقابل خيارات ايرانية موضوعة علی الطاولة تتحدث عن نية طهران الاستمرار في برنامجها التصعيدي الذي أقره البرلمان الايراني في كانون الأول 2020 والذي يدعو الحكومة الايرانية الى زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لتصل
الی 90 % بعدما قاموا بتخصيب 20 و60 %.
لّي الاذرع الذي يمارسه الجانبان الايراني والاميركي يهدف الی تحسين الوضع التفاوضي لهما، وهذا طبيعي جدا ومعروف، لكن طهران هذه المرة تختلف عن المرات السابقة وتقول انها لا تريد ان تلدغ من جحر مرتين، لانها تعتقد انها الطرف الوحيد الذي نفذ كل بنود "الاتفاق النووي" قبل ان ينسحب الطرف الاميركي من هذا الاتفاق في حين وقفت بقية الاطراف الاوروبية منصاعة للضغوط الاميركية بعدم تنفيذ الاتفاق.
الراجح ان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن تحتاج الی موقف يشبه موقف باراك اوباما عندما رأی ان التوصل لاتفاق مع ايران بشأن برنامجها النووي "مصلحة اميركية" بعيداً عن أي اعتبار آخر.