الأشجار تموت واقفة

الصفحة الاخيرة 2021/09/13
...

عبد الهادي مهودر
 

يسمى العراق أرض السواد، لكثرة الزرع والنخيل والأشجار وتمييزاً له عن جزيرة العرب التي لا فيء فيها ولا زرع ولا شجر (وادٍ غير ذي زرع ) كما وصفت في القرآن الكريم، وكان العرب يسمون الأخضر سواداً والسواد اخضر، وحين وصل (الفاتحون المسلمون) ادهشهم خضار بلاد النهرين بعد عبور صحراء العرب، وهنا تمتعت ابصارهم برؤية المساحات الخضر وارتوت جيادهم وإبلهم وأحسّت ببرودة تربة العراق عن حرارة رمال الجزيرة وأخذ الفرسان قسطاً من الراحة تحت ظلال النخيل، وهذا بالطبع قبل أن تكون في العراق وزارات للزراعة والبيئة والموارد المائية وكليات للزراعة واقسام للبستنة ومراكز ابحاث ومنظومات ري بالرش والتنقيط، (وصوندات) يقضي فيها المتقاعدون اوقاتهم في رش التبليط، وقبل أن تولد حشرة الدوباس وزهرة النيل وتصبح لدينا طائرات وسيارات ودراجات وستوتات وعوادم ومصانع ومعامل طابوق وعواصف ترابية وأبخرة ودخان وتصحّر وصيف لاهب واحتباس حراري وتغيير مناخي وثقب في طبقة الأوزون، وقبل أن يسمع العراقيون بغاز الاوكسجين وبثاني اوكسيد الكاربون، و من دون أن يستمعوا لأية محاضرة توعوية عن الاشجار والبيئة بين الواقع والطموح، والثابت تاريخياً أن العراقيين الأوائل نجحوا في زراعة ملايين الاشجار الظلية والمثمرة بالوسائل البدائية التي كانوا يمتلكونها قبل اختراع المكائن والآلات الزراعية، أي بالجهد العضلي للانسان العراقي وعرق جبينه وبالفؤوس والمحاريث والمجارف اليدوية (الكرك) وبالمناجل والثيران لمواسم الحصاد وشق الانهر، بل ان حضارة العراق قامت على الزراعة وسواعد العراقيين ورؤوس الثيران و (عشگ الگاع)، ولكن لو رجع الفاتحون اليوم من وادي الرافدين الى الوادي غير ذي الزرع لشاهدوا الصورة معكوسة تماماً، ولا شك أن الكل يدركون اهمية الزراعة والتشجير وما توفره من موارد وفرص عمل وحلول اقتصادية وصحية وبيئية ونفسية وان حملات حكومية وتطوعية تجدّ في هذا المجال، والكل يدرك تحديات التوسع السكاني وشحة المياه وتحكم دول المنبع بالمياه والمخاطر الحالية والمستقبلية الكبيرة، لكن الذين يقطعون ما زالوا اكثر من الذين يزرعون والمساحات الخضراء ما زالت تتناقص داخل المدن وحملات تجريف البساتين مستمرة وتتسارع بلا هوادة ولا رحمة ولا حماية، والأكثر إيلاماً قائمة المنتجات الزراعية المستوردة ومنظر اشجار النخيل التي تموت واقفة.