محمود النمر .. برديّة فرح يغفه بكترها الماي

ثقافة شعبية 2019/02/27
...

مواهب متعددة وثقافة واسعة
 

منذر زكي 

عند الولوج في مفاهيم التكوين الصوري لنصٍّ معينٍ، يصب الفكر حينها في المنهج المطروح للشاعر من حيث المعنى والمبتغى مقتصراً ومرتكزاً على ذلك فقط ، متناسياً  في أغلب الأحيان التكرار المستمر من نتاج لآخر في لغة النص بما احتوت من أدوات وأجناس وصور تعريفية.
فلو أمعنا النظر على سبيل المثال في نتاجات الشاعر الراحل محمود النمر صاحب المواهب المتعددة من صحافة  ونقد وشعر فصيح وعامي على حد سواء، لرأينا التجديد الدائم في جميع طروحاته، أي لم يلتفت الشاعر للوراء، وانما كسر قيد الاكتفاء نحو تطلع آخر.
ونذكر لشاعرنا الراحل مقطعاً يستتر فيه ضوء يشع في أفق عميق ...
 
ولاتگلي الغيم گوطر بالسمه وماينهمل
أحنه برديّة فرح يغفه بكترها الماي بس ماتنچتل 
واحنه ويه الزمن نكبر ننشطر مليون مره ونكتمل 
 
إنّ المحاكاة الصوريّة التي ذكرت في المقطع السابق، لمحمود النمر، تتسم بحداثة شعرية تكوينية، اي ضربه على وتر التجديد في الصياغة، على الرغم من وجود العديد من المفردات المغلقة بطابع الحسجة، (كگوطر) و (تنچتل)، ولكن خبرة الشاعر الادبية المكتسبة من رحلته الطويلة، لعديد من المحطات الإبداعية، أحاطت نصّه الشعري باطار حداثوي معاصر، وهذا ما نشدد عليه دائما، وهو السير من قبل البراعم والمواهب المبتدئة... وفق خطوات هؤلاء المبدعين...امثال مظفر النواب، ريسان الخزعلي، كاظم غيلان، علي الشباني وغيرهم من الشعراء الشعبيين، وللخوض أكثر في الرؤية الشعريّة للراحل محمود النمر نذكر المقطع الآتي:
 
وصرت برديّة وسط الفيض 
ضحكت من أجاهه الزود
وانتشرت عله أچتاف الگصب غابات 
 
هذه الصور الشعرية المتجددة حملت رسماً تشكيلياً مدهشا، فالرؤية للشاعر في بيته الذي ذكر ...
«وصرت برديه وسط الفيض} جعل الهيئة في التكوين الشعري تفتعل استفهامات فكرية في وعي المتلقي منها  نهضة صورية حية وقوة في التجديد.. ونلاحظ أيضاً استمرار النمر في ذلك الاجتهاد.
 
«وانتشرت عله أچتاف الگصب غابات} 
 
هذا البعد اللامتناهي .. في العمق الوجداني، يختبئ خلف كواليس معرفية مزدهرة بولع صاحبها بإلتقاط المفردة الشعرية الحالمة.
 
لا تقتبس الموهبة والكفاءة الأدبية لمختلف الفنون، عن طريق الصعود لمنتصف السلّم، وانما بالتدفق المستمر نحو التنوير المعرفي لجميع الظواهر المتنوعة التي تخدم الصورة الشعرية، والاستفادة من مفرداتها ان كانت تراثية أو بيئية وغيرها من الامورالتي احتوت على اسماء ورموز ومعان تصاغ بصورة دقيقة، فترسم بيتا شعريا يخرج صانعه من عنق الجرة، مخلصا إيّاه من تحرر القيد الكلاسيكي الذي ينال منه التجديد من نتاج لآخر.