ثورة الحسين ورمزها المؤثر في المسرح

منصة 2021/09/13
...

  وجدان عبدالعزيز
بعد قراءتنا لكتاب الباحث صباح محسن كاظم الموسوم (الرمز في المسرح)، وجدناه يتضمن معلومات جمة عن هذا الموضوع المهم جداً في المسرح، بل وجميع الفنون القولية منها والمرئية، فلا بُد لنا من تحديد الرمز والرمزية قبل الدخول في عالم هذا الكتاب، كون الرمز هو العلامة التي لها معنى آخر غير معناها الظاهري، أي أنه مصطلح يطلق على مادة مرئيَّة تتمثل للعقل مظهراً خارجياً لشيء معين لا نراه، بل ندركه بارتباطه بذلك الشيء
 
 والرمز برأي برغسون مثالنا، هو أداة عقليَّة تمكن صورة من الصور أنْ تنضمَّ الى أخرى بحسب قانون المطابقة، والرمز صورة مماثلة على طريق الحدس، وكان أكثر الباحثين يؤكدون أنَّ الترميز مصطلح ديني أكثر مما هو أدبي، وله علاقة بالأساطير وهي حكايات تثير الحقائق العامة، التي تؤثر مباشرة في الذين يؤمنون بها، كحقائق مثل الزمان والفصول والأقوام والولادة والزواج والموت والأخلاق والقدرة وما يتعلق بها، لذا أصبحت الاساطير ترميزاً عن خلود البشر كما هو لدى (كلكامش) في رحلته للبحث عن الخلود، بعد ذلك أصبحت الرمزية حركة فنية روجت لاستخدام الفن والموسيقى والمسرح والكتابة للكشف عن الواقع المخفي، حيث رفضت الرمزية محاكاة الواقع الملموس، لأنها تحجب العالم الروحي، وتعتبر أنَّ الجمال هو جمال الروح وليس جمال المادة، وأنَّ إدراك الحقيقة لا يكون عن طريق العقل، وإنما عن طريق الخيال.
لذا وضع الكاتب التبرير المعقول في اختيار اسم الكتاب (الرمز والمسرح)، فاختار الحسين عليه السلام رمز الحرية ضد الطغيان، بقوله: (اختيار اسم الكتاب الرمز والمسرح اعتقد جازماً لا يوجد بتاريخ البشرية واقعة دامية بين ولي ودعي، كما حصلت للإمام الحسين بين فسطاط الحق ضد جبهة الباطل، لذا فهو الرمز للحرية ضد الطغيان بكل عصر، والثائر من أجل الإصلاح في تراجيديا كربلاء، والحسين الرمز الروحي بكل تجلياته في الوجدان الإنساني، وهذه الرمزية التي تتعشق بالمخيال البشري، قد استلهم منها مختلف المسرحيين الحضور الرمزي للبطل في المسرح).
وجعل الباحث كتابه على شكل فصول، حيث كان الفصل الاول في بابه الاول، قد تطرق الى (الرمز بالادب، ورمز الحرية، رمز الشهادة في الإنسانية)، ثم بحث في تبريرات الرمز بالأدب بصورة عامة، كالآتي: استعمال الرمز للتخلص من المباشرة أولاً، وثانياً للتخلص من مقص الرقيب، وثالثاً إعطاء النص الأدبي فسحة من الحلم والخيال وجماليات المعنى، بمعنى إعطاء المتلقي من الجانب الآخر مجالاً في التأويل وتكوين أكثر من معنى، ومن ثم التواصل مع النص في كل مرة باتجاه آخر، وبالتالي خلود هذا النص وخلود محتواه المتوالد مع مسارات التاريخ، والدليل خلود رمز تضحية الحسين العظيم وخلود تاريخ الواقعة..
أما الباب الثاني فكان يحمل الرمز والتضحية، حيث كانت نهضة الحسين وثابة ضد الطغيان تحمل بين طياتها الكثير من المعاني الإنسانية، وحقوق الإنسان كحقوق الطفل والشيخ والمرأة والمريض، وبالتالي فإنَّ طغيان يزيد شمل الاعتداء على الطفل الرضيع، والنساء العزل من السلاح، والمرضى كما في الإمام السجاد وكان عليلاً لا يستطيع حمل السلاح، فكانت ملحمة مقدسة تمثل (سيمفونية الخلود، ثورة الحق، ثورة الإصلاح)، فكانت نهضة الحسين (الانعتاق من ربقة الظلم، والعبودية، والتبعية نحو أفق وفضاء الحرية، لذا نهل من واقعة الحسين الكثير، كما ذكر الباحث كاظم حيث قال برنادشو: (كل الثورات أكلت رجالها، إلا ثورة الحسين خلدت رجالها).
من هنا كان الكتاب يؤكد أنَّ واقعة كربلاء بقيت مخزوناً ثقافياً في ذاكرة التاريخ يستلهم منها الباحثون معاني التضحية في سبيل الحق، وتجلياته في معانٍ كثيرة، وكانت وقفة زينب وبلاغة كلماتها في مجلس الأعداء الأثر المهم في المسيرة الحسينيَّة العامَّة، وفي الباب الثالث توقف الباحث عند توظيف (الموروث الشعبي الذي تختزنه الذاكرة الجمعيَّة لملحمة الطف)، كونها مؤلمة تراجيدياً..
وكان الفصل الثاني بأبوابه الثلاثة يتحدث في الأول عن تطور المسرح بصورة عامَّة وتنوعه من المسرح الحكواتي الى الاحتفالي ومسرح العرائس، والتجاري، والصامت.. الخ.
ويؤكد الباحث أنَّ جذور المسرح هي من أصول دينيَّة، فكانت التشابيه الحسينيَّة بمثابة تأصيل للمسرح الحسيني، ومن ثم تطورها لتصبح علامة بارزة في المسرح، فبعد هذا استثمرها الباحثون وكتاب المسرح لتكون رمزاً للكثير من معاني الحق وإيقاظ للضمير الإنساني، وجذوة متوقدة يقتبس من أنوارها المسرح شعاع التضحية والفداء، أما الباب الثاني من الفصل الثاني تطرق الى تطور قضية الحسين في الخطاب الأدبي والجمالي بتطور اللغة الأدبيَّة وتحدث عن هذا الباحث بعمق، ليثبت أنَّ خلود قضية الحسين، كونها تحمل قضية إنسانيَّة مهمة في تاريخ البشرية، وهي مقارعة الطغاة، وكان هذا مضمون الباب الثالث.
ويختم الباحث كاظم كتابه في الفصل الثالث، وأبوابه الثلاثة بترسيخ الرمز ورسالته الإنسانيَّة وأهمية الرمز في أعماق التاريخ المسرحي، لا سيما واقعة الطف وإفرازاتها التراجيديَّة على المسرح الحسيني، وإيقاعات الحزن المتأصل فيها، وهكذا يبقى الرمز الحسيني يمثل نزوعاً نحو الشرف والفضيلة والعزة والكرامة، فوقوف الحسين (ع) (يمثل أبرز مظاهر التحدي والمواجهة لكل أنواع القوة الغاشمة..) من المال والجاه وغيرها، ومن المؤكد تبقى المسيرة الأربعينيَّة السنويَّة تجديدَ عهدٍ لواقعة الطف، والحقيقة التي لا مناص منها أنَّ جهد الباحث صباح محسن كاظم كان وضحاً في لمّ موضوعات جمة في هذا المجال من مسرحيات وبحوث، كي يجلي فكرة الرمز في المسرح الحسيني، بل وفي المسرح بصورة عامة.