بغداد: نورا خالد
تصوير: رغيب اموري
أقامت نقابة الفنانين العراقيين حفلاً تأبينياً بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الفنان علي سالم، ابتدأ حفل التأبين بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم بتلاوة للقارئ قيس الاعظمي، قبل أن تعتلي الفنانة التشكيلية بشرى سميسم المنصة لتتحدث عن الراحل بالقول «الحديث عن علي سالم، يعني لي حسرات حارقة ودموعاً مقلقة وحزناً عميقاً يعصف بي، فمنذ أن غادر الى هذا اليوم لا يزال هذا (الولد) الطيب جدا، الخجول جدا، النقي جدا ماثلا أمامي بكل ذكرياته وصوره وموسيقاه، علي سالم سيرة قصيرة موجعة لا يمكن أن تفصلها عن وجع وألم هذا البلد».
واضافت سميسم «علي سالم جرح غائر في مخمل الروح لا يمكن أن يشفى أبدا، عاش ومر وكأنه نسمة من محبة وطيب، وداعا وأنت تخرج من هذه الدنيا كما دخلتها نقيا زاهدا حقيقيا، عفيف النفس واليد». ودخل الراحل الوسط الفني في نهاية الثمانينيات، اذ سمع صوته فاروق هلال فقبله في الفرقة النغمية بعد أن اجتاز اختبارا في العزف والاداء وكان فاروق هلال معجبا بصوته وطريقة عزفه على العود التي أبهرته، حتى أنه قال يجب أن يكون المطربون كلهم بهذا المستوى، ولكن هذه البداية الصحيحة جدا لم تصل الى نهايات صحيحة، فقد ظل حبيس خجله الكبير وعدم معرفته بطرق التسويق عن نفسه، لذا ظل يدور في حلقة مفرغة يعزف ويلحن ويغني ضمن دائرة الأصدقاء وجلسات اتحاد الأدباء، والجلسات الثقافية
والموسيقية.
وتابعت سميسم «كان لفهمه العميق لدور الغناء والعزف أيضا السبب الكبير في عدم شهرته، فهو لا يمكن أن ينجر وراء كلمات هابطة أو سوقية أو يلهث نحو الاماكن الرخيصة تحت أي مسوغ ولا يمكن أيضا أن يبدل جملة لحنية بأخرى من أجل ذوق الجمهور أو (تماشيا) مع مودة الغناء الراقص، فهو مطرب نخبة ذوقية رصينة، نخبة لا تريد للغناء أن ينزل أبدا، أو يكون في مكانة مبتذلة أو متدنية».
وختمت سميسم «لا يمكن لي أن أتغافل أو أتجاهل دور نقابة الفنانين معي في اسعافه حين أصابته الجلطة الدماغية الاولى، فما ان اتصلت بالدكتور جبار جودي حتى هيأ لي جميع السبل لنقله الى الجملة العصبية حيث أشرف على وضعه الصحي فريق كامل من الاطباء وباشراف من مدير مستشفى الجملة العصبية الدكتور وليد خالد وما أن استقرت حالته وخرج متحسنا الى بيته، ساءت صحته وأصيب بجلطة ثانية حتى تدهورت حالته وفارق الحياة بعد معاناة امتدت سبعة أشهر.الملحن الكبير محسن فرحان اشار في حديثه لـ «الصباح» الى أن : الراحل قدم احلى ما عنده من عطاء من دون مقابل، وعاش عفيف النفس ومات كذلك، صوت جميل الا انه لم يمتلك المال كي يسجل اي اغنية لذلك لم ينل حظه من الشهرة»، مستدركا «سيبقى علي سالم خالداً في ذاكرتنا، نحن اصدقاءه ومحبيه».
وعده الفنان جواد محسن «صوفي الاغنية العراقية» مبينا «يذكرني بالصوفي ابراهيم بن ادهم الذي عندما سألوه عن التصوف قال نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيف، وعلي سالم كان يشعر بهذه اللذة الكبيرة التي كان يعيشها لذلك لم يسجل اي اغنية في الاذاعة والتلفزيون وبقي فقط يغني لاصدقائه وهي لحظة التجلي التي تأتي للفنان ولا يستطيع أن يطلقها الا ضمن رؤية خاصة به، علي لم يكن يستطيع أن يغني امام جمهور واسع لكنه يغني امام القلة النادرة الذي يشعر انهم سيفهمون الحالة النفسية والانسانية التي يقدمها»، خاتما «كان الراحل يستحق أن يأخذ فرصة اوسع»، وترجم الفنان مؤيد حسن حديثه عن الراحل بعزف على آلة العود مع غنائه لـ «الاماكن» التي اثارت لدى الحضور تعاطفا كبيرا لما تحمله من كلمات ومعان مؤلمة. وكان مسك ختام الحفل التأبيني عرض فيلم عن الراحل تناول سيرة الفنان، وعددا من الاغاني التي كان يؤديها في المجالس الثقافية والفنية نال استحسان
الجمهور.