كراهية

ثقافة 2021/09/13
...

ابتهال بليبل
تدحض إيفلين ريد (1905 - 1979) ما تقوم عليه نظرية الأنثروبولوجي الأميركي ليونيل تايغر الرئيسة في كتابه (عصبة الرجال) التي تفترض أن الذكور هم وحدهم من يمتلكون القدرة على إنشاء صلات مع بعضهم، وهذه الصفة التي يسميها (الترابط الذكوري) يزعم أنها جزء من (البنية التحتية البيولوجية) للجنس الذكوري ولا وجود لما يماثلها لدى الإناث. فالأنثى يمكنها أن تنشئ روابط أمومة مع صغارها، وروابط جنسية مع الذكر الذي حملت منه. لكنها وفقاً لتايغر، غير قادرة على نسج أي نوع من الروابط مع الإناث الأخريات.
ويعزو تايغر هذا العنصر المميز للذكور إلى حقيقة أنه بينما كان الذكور صيادين كانت الإناث مربيات فقط، لأن الذكور يصطادون في مجموعات تعاونية، لذا فهم وحدهم من لهم القدرة على تشكيل روابط متماسكة من خلال هذه المهنة. 
ويتجاهل تايغر حقيقة أن حقبة الصيد والجمع انتهت منذ نحو 8 آلاف سنة مضت، بعد أن انحسرت كعمل ضروري للوجود ومن ثم تمّ التخلي عنها بشكل نهائي مع ظهور الزراعة والرعي والحرف اليدوية. وحلّ محلها نوع جديد من التعايش مع الحيوان حتى صار الصيد مجدر رياضة أو مهنة لفئة قليلة محدّدة من البشر. 
ولو اطلعنا على صفحات كتاب (التمييز الجنسي والعلم) سنعثر على كثير من الحجج العلمية الموثقة التي طرحتها مؤلفته ايفلين لتظهر لنا بأن طريقة تايغر في الرقص على حبلين تضعه في مكانة خاصة، فهو بالكاد يخفي عداءه تجاه النساء ثم يقف كما لو كان صديقهن فاعل الخير بطريقته المنمقة جداً والحاذقة في تسويغ السيادة الذكورية. 
مع ذلك، لن أتحدث هنا عن الترابط الذكوري أو الصلات بين الإناث هنا.  بل عن كراهية النساء، أو بمعنى أدق، عن الذكورة السامة، ذاك المفهوم الذي تعده رايوان كونيل في سياق الدراسات الجنسانية، بأنه يعمل على تعزيز هيمنة الرجل على النساء. 
وقد كنت إلى- حد ما- واسعة الاطلاع على الذكورة التقليدية، أما السامة، فمعرفتي بها لم تكن تتجاوز العنف الأسري وهو الغالب على مجتمعاتنا بذريعة التربية والحفاظ على السمعة الأخلاقية، إلا أن لدوافع كراهية النساء تنشط سمة الذكورة السامة. 
ومِن السهولة جدا أن نكتشف لو تأملنا هذا الأمر الارتباط الواضح في معاقبة أو تعنيف النساء اللواتي يرفضن التبعية أو الخضوع عبر استبعادهن قانونيا أو مجتمعيا وحتى في رفض صفاتهن الأنثوية وغيرها كثير. 
المشكلة أن كراهية النساء متداخلة ومتشابكة، فقد نجدها في المجتمع نتيجة لموقف يتخذه بعضهم كتقليد أو نظام ثقافي أو بسبب أجسادهن أو أشكالهن لتعمل هذه الكراهية بعد ذلك كمنظومة أساسية لإيديولوجية التحيز الجنسي. 
مع ذلك فإن الذكورة السامة ليست نقيض الذكورة التقليدية المتعارف عليها في المنظومة الأبوية التي قد تبدو أفضل عند بعضهم بسبب قلة العنف، فالذكورة التقليدية يمثلها كثيرون في المجتمع بينما السامة ليس لها إلا تمثيل نادر.
لكن المثير أن مجتمعنا نفسه غلبت عليه الذكورية السامة في الآونة الأخيرة بعد أن تزايدت معدلات العنف الأسري.. وتتحرّك هذه السامة في الفضاء الاجتماعي الذي لا يحظى بالعلنية إلّا ما ندر، إنه لشخصيّات تنتمي لواقع مأساوي إذ يُمارسون فيه سلطتهم على الأضعف أو بمعنى أدق على الخاضعين اجتماعياً وقانونياً لهم!.