الصورة الحسيَّة الوامضة في «صفعاتٌ على خدٍّ واحدٍ»

ثقافة 2021/09/13
...

 علوان السلمان
 
النص الشعري فعلٌ يعلن عن موقف فيسجل حضوره المتجاوز للمألوف بتعبيره عن حالة مجتمعية ونفسية انفعالية مشحونة بشحنة ابداعية واعية، عبر خيال ولغة متجاوزة لواقعها (بانزياح معيارها) على حد تعبير جان كوهن، كي تقرر الانتماء الى مساحة الابداع.. بسردية تسمو بالجملة الشعرية من حيزها الواقعي المتداول الى حيزها التخييلي الخالق لنص مستفز لذات
المتلقي.
والشاعر خالد نعمة الشاطئ في مجموعته الشعرية الصورية (صفعات على خد واحد) التي نسجت عوالمها النصية أنامله.. وأسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/ 2021.. كونها تتخطى الحسيات الى أفق الرؤيا بمخاطبة الوجود والاشياء بلغة الفكر المتشظي..
 
لا.. شمس في الافق
ولكن ظلي.. يتطاول / ص9
عندما يصفعني الوطن
احتاج ألف ذراع
حتى أدير له الخد الآخر
لا.. أحب الصفعات على خد واحد/ ص23.
فالشاعر يعتمد في بناء نصه على تقانات فنية تتمثل بالتكثيف والايجاز في العبارة مع تركيز على الفكرة المختزلة في لغتها الخالقة لصورها الشعرية المؤطرة بوحدة موضوعية متصفة بسرعة الايقاع واكتنازها بطاقة دلالية وقدرة ادهاشية.. ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة بفونيماته الحركية الاربعة التي شكلت جملة اسمية تكشف عن الحالة النفسية المأزومة زمانيا ومكانيا، فضــلا عن توظيــفه الفعــل الدرامي (يصفعني/ أحتاج/ أدير/ أحب) الذي يأخذ أبعادا (نفسية واجتماعية..).
 
الخراب لم يتوقف..
سأنسحب وحدي الى المقهى..
سأنتظر أصدقائي الشهداء
حتى لو طال النهار
لا بد أن أحدهم سيأتي
ويدفع عنّي ثمن الشاي.. /ص18.
 فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية بأسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية والمتجاوزة للقوالب الجاهزة، فكان تشكله وفق تصميم ينمُّ عن اشتغال عميق يعتمد الجزئيات وينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني عبر صوره الشعرية التي تشكل جوهر المنجز الشعري المحقق لذات الشاعر موضوعيا كون الشعر (صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير)، كما يرى الجاحظ، والتي تكشف عن قدرته  في الترميز وشحن ألفاظه بدلالات غير مألوفة من أجل التحليق في أفق الصورة الشعرية عبر بنية نصيّة تعتمد التكثيف والإيحاء..  
أن تخطئي بعدد النقاط
لك أجران
لا أريد لك الأجر الواحد
اجمعي ما شئت من النقاط
واصنعي كيسا لعمر من البياض
لا خوف أن يكون الكيس مثقوبا
ليس هناك في الخطايا ما يكفي
لأن تسقط بعيدا عن ناظريك..  / ص131.
فالشاعر يحاول استنطاق اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي درامي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية.. مع اعتماد الرمز النصي المكثف.. الموجز لخلق ومضه الشعري بذهنية متفتحة ورؤية باصرة لوعي الفكرة وتحقيق اضاءته.. باعتماده اللفظة المركزة.. المكتنزة بالإيحاء والمتميزة بالانسيابية والتدفق عبر مستويين فنيين متداخلين: أحدهما صوتي.. والآخر جمالي بوحدة بنائية احتضنت الفعل الشعري والانفعال الشعوري..
وأنا أنتظر هطول المطر..
الثمار تنضج خلف جدراني/ 87.
وأنا في الشارع
أنظر من النافذة
أرى المطر يهطل على السرير
بغزارة. / ص29.
عازف الناي..
انتظرته طويلا
حتى انتهى من معزوفته
لاسترد أنفاسي.. /ص31.
فالشاعر يعتمد رؤية محددة بمنطق جمالي يرتقي بالنص الشعري من الحسي الى التخييلي عبر لغة مكثفة العبارة موحية بالفاظها من جهة، وخالقة لصورها المستفزة لذهن المستهلك من اجل نبش خزانته الفكرية وتحريكها صوب عوالم النص لاستنطاقه والكشف عما خلف صوره من جهة أخرى.
وبذلك قدم الشاعر صورا مشهدية تجمع بين المعنيين الذهني والحسي لتحقيق العمق التصويري بكل أبعاده التي تكشف عن الذات لتحفيز أثرها في ذاكرة الآخر بحوار ذاتي (منولوجي) وإثبات كينونتها عبر صورها المتميزة بصفات دلالية منبثقة من نسيج مختزل، مكتنز بطاقة ايحائية متمردة على واقع يعيش لحظات الانكفاء على الذات.