الوعي وصراع (السياثقافي) في منظومة المثقف العربي

ثقافة 2021/09/15
...

 علي لفتة سعيد
 
أثبت الواقع والوقائع التي عاشها الإنسان منذ تباشير الوعي الأولى التي تبلورت في العقل أن الإنسان مفكرٌ وله رأيٌ وعقلٌ ونباهةٌ، ومن ثم فإنه قادرٌ على التحليل والاستنباط والتفكير والمخالفة والصراع والتقابل والاتفاق والمخالفة فضلاً عن المجادلة والعاطفة التي تختلف بدرجةٍ كبيرةٍ عن العقل، لذا فإن الأطروحات التي طرحها المفكّرون والباحثون والمثقّفون وحتى المؤرّخون لا تخلو من العاطفة التي تميل بدرجةٍ ما إلى كينونة الإنسان الذي يدوّن أو يصرّح أو ينطق حتى باتت هذه (الآراء) فيها الكثير من المجانبة للحقيقة إذا ما أراد عاقلٌ ما أن يفكّر، وهو الأمر الذي ينسحب على الجميع من دون الخضوع الى تركيز القومية أو الفئة أو الدين أو العقيدة، وهي لا تعنى بالمستشرقين أو المستغربين، وما دعوات كتابة التاريخ التي تطلق بين الحين والآخر إلّا محاولة لإزاحة ما كان لوضع ما يأتي سواء للتصحيح الصحيح لوجود خلل في أرخنة التاريخ أو لوضع آراءٍ جديدةٍ يغلب عليها الميل الى عقائد أو آيديولوجيات أو أفكار من دعا إلى إعادة التاريخ في صياغة جديدة.
 وأمام هذه الأمور يبدو السؤال في أحد أوجهه مرهوناً بآلية طرحه.. أين هو عقل المثقف العربي مما يجري الآن من وقائع جديدةٍ على الساحة العربية والعراقية بشكل خاص؟، وأيضا هل تمكّن هذا العقل من التخلّص من العاطفة التي تميل إلى  قوميته أو عرقه أو دينه أو مذهبه أو حتى حزبه؟، ولماذا نرى موقف المثقف العربي والعقل العربي يميل إلى العاطفة المتأثرة بتكوينه الوجودي أكثر من تأثّره في ثقافة وعيه الكوني وخاصة في ما يتعلّق بالواقع العراقي الذي نرى فيه أن موقف المثقف العربي في أغلبه متأزم ومأزوم ومتأثّر بما يدور حوله وما يتسلمه من معلومات.
ومن هنا نرى أنه ليس من السهل أن يتمكن عقل المثقف العربي من الخروج من شرنقة السياسة رغم أنه من المعارضين لها على المستوى اللفظي والمواقف المعلنة في طرح مفهوم السلطة والسياسة لأنه يبني آراءه على أساس تلك المواقف السياسية التي تنطوي عليها مرحلة زمنية طويلة من التعقيدات والثوابت المتغيرة على الساحة العربية والدولية، وكذلك ما كان من مواقف سياسية متضاربة قبل سقوط النظام السابق.. ولهذا نرى أن موقف المثقف العربي مبني على أساس تلك المواقف المسبقة وهو ما لمسناه خلال زيارتنا الى الدول العربية ووجدنا أن المثقف العربي مازال ينظر إلى العراق على أنه موقع تم انتهاكه.. وحتى هذا الموقف أو الرأي لا يخضع لمفهوم واحد بل هو متعدد إلى عدة طروحات، ولكن من أهمها أن العراق قد أحتل من قبل أميركا وأن العرب يقفون مع العراق كونه دولة محتلة وثانيا أن التغيير الذي حصل في العراق جاء على حساب (قيادة) كانت تنادي بالقومية العربية من دون أن يدركوا مثلا ماذا كانت تفعله هذه (القيادة) بشعبها، ومن ثم فإن التغيير قد جاء بحكومة عميلة، وهناك رأي آخر لا يخلو من الطائفية، ولهذا نرى أن المثقف العربي يقف مع دولة يريد لها أن تتغير رغم أن أميركا هي ذاتها من غيرت أنظمة أخرى كما حصل في ليبيا أو اليمن وحتى تونس ومصر أو ما يحصل في سوريا ويقف بالضد من دولة أخرى لأنه لا يريد أن يحصل فيها التغيير، وهو يمكن أن نسميه التذبذب الثقافي السياسي أو (السياثقافي) في العقلية المثقفة العربي.. وإذا ما توقفنا عند هذا التحليل نجد أن أغلب المواقف بالنسبة للعراق تنطوي على تلك النقطين دولة محتلة ونظام سياسي غير مرغوب فيه، ومن ثم فإن منظر القتل في العراق لا يختلف عن منظور الرأي السياسي، وقد وجدنا أن أغلب آراء المثقفين العرب بعمليات القتل مفاده ان من يقوم بها هي أما قوات الاحتلال أو قوات حكومية وهو أيضا يأتي بسبب ضعف الثقافة السياسية بالنسبة للنخب السياسية التي تتصارع هي على ذات الرأيين دولة محتلة ونظام غير مرغوب، ولا بد من أن يحصل التغيير. وما نجده من صمت عربي هو ليس صمتا بل هو رأي مفاده أن ما يحصل في العراق ليس قتلا كما يحصل في سوريا بل هو عملية رد فعل للاحتلال والتغيير في نظام الحكم. ولهذا فإن موقف الأدباء العرب لا يخرج أيضا من هذه الحاضنة السياسية التي تشبه تقاليد متزمتة باعتبار أن ما حصل من تغيير غير مرغوب يصب في أن كل ما موجود فيه هو غير مرغوب ولا يمثل العراق الذي يريدونه برأيهم هم لا برأي الشعب العراقي أو النخب الثقافية
العراقية.