تكوينات سنان حسين وخطابها الفني.. الشكل المختلف والمعنى الغريب

ثقافة 2021/09/15
...

 خضير الزيدي
 
لم تقتصر أعمال المعرض الفني المقام حاليا في تركيا للفنان سنان حسين على تأكيد خطابه الفني المعروف لدى المتلقي. بل امتد به الامر الى اكتساب مستوى من الاثارة في نزعة اشكال وتكوينات تخاطب ما نحياه من فعل الجائحة التي اصابت المجتمعات المتقدمة والمتخلفة معا، هذه الاعمال تتفرد من خلال بنية الشكل والانتماء لتعبير بناء يضع المتلقي عند حسابات تعبيرية لا تبدو متعارفة وهو يطرحها عبر فاعلية خطاب الرسم، نشاهد في حقله الجمالي استدعاء ذهنيا يعطينا انشائية في متن اللوحة ليست ببعيدة عن نتاج الصدق في التعبير، هذا التصميم في الخطاب توازيه معرفة مسبقة بمبادئ الرسم وخطواته من ناحية التكوين والخطوط والقراءة الصحيحة لأبعاد العمل الفني، ولعل الملفت هنا خارج الاطار الشكلي والبنائي ما يصاحبه من مدلول يكمن في البحث عن مجسات ومؤثرات تبقى شاخصة في نفسية المتلقي. في كل لوحة هناك حكاية تسرد لنا مستوياتها من النزعة الاجتماعية والتعبيرية معا، هذا التكوين يتضمن تطبيقا لما تمليه المخيلة من إجراءات تنتج فنا يتناول وقائع حياتية لكن عبر مدونة بصرية تختلف فيها الاشكال ويغلب عليها الوصف والصفة الحيوانية، هل يريد الفنان هنا التلاعب بألغاز روحية لنحصل على بعد حياتي يومي، ربما تقتضي الضرورة الجمالية ان يرسخ تعددا واختلافا في الاشكال المكونة داخل خطاب وحدود العمل الفني، لان هذا التعدد ينتهج خطابا مثاليا ومتعاليا يخوض فيه غمار اللعبة الشكلية ويحقق هدفا جماليا يصاحب نظرة العمل.. نجد أكثر من ثلاثين لوحة متنوعة الحكاية موجودة في قاعة بالابان في تركيا (لم يزل المعرض مقاما حتى نهاية الشهر العاشر) جميعها تتقدم بوحدات صورية منتظمة الشكل لها علاقات وثيقة في ما بينها كأنها توحي للمتلقي بأنها عمل واحد متكون من قطع فنية شرعت بقوانين ثابتة ولها قدرة في الاستعارة وإمكانية تأويل هذه النزعة الشكلية هي السبب في اضافة هذا الشعور عند كل من يراقب تلك اللوحات، اعمال فنية تسعى لتضعنا عند مخيلة الفنان لننخرط في رؤيتها وفهم معناها وكأنها غريبة على من يراها للوهلة الاولى لكن حقيقتها انها امتداد لأعمال فنية سابقة تحيي بالمفارقة وليس بالالتباس والغموض، ومن هنا تكتسب تكوينات سنان الفنية امتدادها التعبيري كونها حاملة لطابع تأملي يمثل صلب رؤيته الفنية، وبما ان الرسم تلاعب حسب قوانين مخيلة الفنان، فالتجربة تترسخ في تصعيد الخطاب من اجل الفن وإحياء نظرته امامنا، فهل نجح سنان حسين وهو يتبنى اسلوبا مختلفا عن اقرانه؟، لوحاته الاخيرة وما قدمه سابقا في معارض أقيمت في الخليج إنما هي استكمال لمشروع فني وجمالي له جذر معرفي يعي قيمته هذا الفنان من خلال تأكيده على وجود أشكال وتكوينات وخطوط وإنشاء فني يلتزم بمعايير وتراكيب عمل خاص ومنفرد يبث هاجسا تصويريا، ذات مهارة وقيم جمالية، فنان مثل سنان حسين لا يكتفي بالتلاعب بالشكل وغرابته امام عين المتلقي انما يجعله مساهما في التأويل ومستغرقا في التأمل، وما الفن ورسالته في آخر المطاف إلا دعوة لتغذية العقل لمثل هذا التوجه، شخصيا لا اجد غرابة من احياء هذا النمط من الانشاء الفني داخل لوحة سنان ولا من اشكاله المختلفة عن ذائقتنا كونها أعمالا تثير الأسئلة من خلال مفهوم تناسخ الأرواح وتقلبات الأجساد بعد الانبعاث، وهو اشتغال فكري له ما يبرره لكن المهم كيف نرمز له؟ وكيف ينجح في بث خطابه البصري..؟، هذا يعتمد على قدرة وفهم المتلقي فضلا عن شرح موسع من قبل الفنان قد نقرؤه ذات يوم في حوارات معه، لكن الذي يعنينا هنا التصالح الداخلي لدى الفنان في وقفته مع هذا الخطاب الشكلي، فهل يتبنى فن سنان حسين اتجاها دلاليا وما مهمته؟ن كيف يدعمه وهل يفسد تكرار الاسلوب متعة المشاهدة؟.. هذه الاسئلة تراودني قبل غيري وأنا أتأمل أعمال معرض قاعة بالابان ليس لأنها تحمل سمات فن يخاطب الشعور الانساني بل لإغرائها وتكوين نسيجها الفني وطرح فكرتها أمامنا من دون وجل او خوف.