مشدات التوالي المتعادل.. قصيدة انشطار.. أنموذجاً

ثقافة 2021/09/17
...

  اسماعيل ابراهيم عبد
إن التعادل هذا به التوالي الدلالي، المعلن والمضمر لقصيدة (انشطار) التي تربعت الصفحتين 23، 24، من مجموعة (أبسط من عشبة) للشاعرة عبير السامرائي، كونها تشكيلا ايقاعيا يعتمد على تقسيم الصورة الشعرية الى جزئيات متعادلة الأداء، تتوالى من البدء حتى المنتهى بقصد اكمال الدلالة الأشمل للمقطوعة الشعرية.  
 
فعلى الرغم من ان القصيدة بعنوان دال (انشطار)، فان توالي الجزئيات بتناسق مقصود جعل منها تنغيماً يتصاعد بسلسلة من التوالي حتى آخر لفظ للمشد الشعري، ولكل مشد يتصف بالترابط، والتتالي، وتعدد محمولات الإداء، فضلاً عن طبيعة الخاصة.  
لنتابع على وفق الآتي:  
أ ـ مشد تناثر الصورة يعتمد هذا المشد قيمة التناثر الصوري كمبرر حجاجي لوجود التوالي المتعادل، وهو يحقق ترابطاً يشد (يماسك) الجمل والعبارات، ويجمع منثور الصور الى بعضه، لتقرأ:                  
(« انشطار» 
حين أكون خارج الصورة
وحين يكتنفني ظِلُّك
أيُّ المرايا ستلملم انشطاري؟
وأيَّ الوجوه سأرتديك؟
فدعني...)، ص23 
تبدأ حدود الصورة من الخارج (حين أكون خارج الصورة)، الحدود هذه مشد/ يشيد ويمسك طرفي الجمل ـ وهو هنا/ أولي سائب، إذ لا طرف سابقا له، انما طرفه الوحيد يتصل بما يمسكه في الجزء الثاني من الصورة وهو (الظل) الذي يضع خيط اتصال بين الخارج السائب والتلبس من الداخل ببرقع (الاكتناف)، الذي يطال الظل والخارج، ثم يبزغ من شبكة هذه الخيوط رابط جديد يتصل بالمرايا التي بكونها جمعاً شكلت منثوراً لصورة واحدة تخص المنشطر المرتبط، بمشدات دلالية. ولأجل ان تكون المرايا عاملاً يُوَحِّد الصور للمتكرر الوحيد، (الوجه)، فقد تخصصت المرآة به فقط لأن الوجوه هي الممثل الكامل للشخوص، وعندها يكمل الانشطار مبررات توحد مظهر ثوبه، وستكون هذه الوحدة الكيان الأشمل الذي يحرر الشخوص من تناثرهم. 
وحالما تلتم الوجوه في ثوبها تعلن الشاعرة مشدّها الأخير الذي يُعَوّم الوجودَ كله بالعودة الى الخارج بلفظ الحسم (دعني). لكن لن تنتهِ الصورُ ولن تخضع الوجوه لوحدة الثوب الواحد والوجه الوحيد، انما تنتقي لنفسها مشداً جديداً، هو الشغف المتسامي.                    
ب ـ مشد الشغف المتسامي في هذه المرحلة تتبع الشاعرة تكتيكاً جديداً في تخليها عن الشعر وتخليها عن الرحيل من الداخل نحو الخارج. تتبع شغفها وسمو ارادتها لتطوع ارادة المتسامي المتغافل عنها في:
(عني أدخل دائرتك المضيئةَ بلا قصائد،
أجلس عند شفتيك،
تحت الهدب،
أو عند ركبتيك التي يبَّسها البرد
وأُتابع الدَرس الخَطِر فيك)، ص23
هي إذاً مجازفة عظيمة لها مبدآن، المساواة بالشغف بين كل جزء وجزء آخر، والمساواة بتشكيل صورة بعثرة الحبيبة.. كلاهما يكمل ويستقل ويتبع ارادة الشغف المتوزعة بالتساوي بين/ الضوء والشفتين، والهدب والركبتين، والدرس الخطر والخطر جداً.. إذاً لهذين المبدأين ان يشتتا الموجودات والمعاني كلها، ثم يعيدانها صورةً جديدةً تسمو على الجسد وتذوب فيه!. 
ج ـ مشد الانشطار الهش هشاشة الفعل العاطفي الذي احتوته الفقرات (أ . ب)، أعطى ناتجاً لمشد ثالث هو الانشطار الهش، المتحور الى طرفين، طرف يماسك المتناثرات بلحظة التحيين، وطرف آخر يمسك بالزمن الماضي المطلق، الأول له ثمانية خطوط/ الغرق بالهوى، والابتهاج بهشاشة البلور، والموت على مهل، والخوف من الذي يحدث ولا يحدث، والتلهي بقميص الحروف ونقاط الازرار، والنغني بهرم الصقيع المحترق، وسماع صلوات القفص، والحس باللمعان:    
(ـ حين تغرق بهوائك
ـ حين تكون هشّاً كالبلور
ـ حين تشبه قصيدةً تموت على مهل
ـ حين تُريد ما تخاف حدوثه
ـ حين تلهي قميص الحروف لتَنزَعَ عنها نقاط الازرار
ـ حين يحترق هرمُ الصقيع
ـ حين تسمع رفرفة الصلوات - في قفصك – ولا تهجِسه 
ـ حين تَلْمَع)، ص 24
اما الطرف ذو الماضي المطلق فله ستة فصوص تمسك وتعادل عُقَدَ الربط بين نهايات الخيوط، تتمثل بـ (الرجوع، الشقاوة، العناد، المطر، الرسم، القبلة) وكلها                      
هشة (بفطرتها، وتوزعها المتناثر المُلْتَم). مثلما في:
(فترجع لشقاوتك 
تعاند المطر وترسم قُبلة)، ص24.