عجائب الدنيا السبع.. والحافز الفعّال

ثقافة 2021/09/20
...

 د. نصير جابر
 
للمرأة بصمة لا يمكن إنكارها في صياغة وانتاج الحضارة الإنسانية في هيكلها المادي والروحي ويمكن اجتزاء لمحة إشهارية من هذه البصمة من خلال فحص وتأمل منجزات مائزة مادية تقود بالضرورة إلى معنى روحي سام هي (عجائب الدنيا السبع) ففي قائمتها القديمة والجديدة ثمّة أثر فعّال للمرأة، أثر عميق في التحريض المعلن والسري في دفع (الرجل) نحو خلق هذه المنجزات، وبناء هذه العجائب التي تحولت بفعل الفرادة والاتقان من الأعمال (المألوفة) إلى (العجيبة)، ومن ثمّ زادت من خلودها ورسوخها عوامل أخرى لعلّ من أهمها الشعور بالتميز التاريخي الذي يفاخر به الأسلاف، الذين ورثوا هذه العجائب فصارت علامة مهمة لبلدانهم، بها تتميز ومنها تُعرف وحولها تدور الأساطير وتنسج الخرافات، وتحولت بعد ظهور السياحة إلى مورد مهم وضروي لهم بوصفها مناطق جذب سياحية تظهرها وسائل الإعلام دائما وكأنّها جنائن وفراديس أرضية يجب مشاهدتها وزيارتها حتى ولو مرة واحدة في العمر؟
وما يهمني هنا هو دور المرأة التي تظهر في صفحات التأريخ بصفتها (ملهمة).. منها.. وعنها.. وفيها يكتب الكتّاب وينسج الشعراء أجمل قصصهم وأشعارهم، وبسببها يبني البناة أدقّ الإنجازات الهندسية والتحف المعمارية، وهي عكس المرأة التي تشيطنها المرويات التاريخية والسرديات الشعبية، وتجعل منها وراء كل جريمة تحصل وخلف كل موبقة تُرتكب حتى أن مقولة: (فتّش عن المرأة) التي ينسبها بعضهم إلى الامبراطور نابليون بونابرت (1769- 1821) تلخص كمّا هائلا من هذه المرويات السوداء التي تفرز وتنتقي وتقرّرُ بعيدا عن الوقائع والأسباب الموضوعية للحدث وتسقط عليه مقولاتها القبلية والبيئية المعطّلة والعاطلة، التي (تكشط) أثر العامل الاقتصادي من مسرح أي حدث ومن ثمّ تحكم على الضحية وكأنها هي الجاني المفترض.
قلت إن ما يهمني هنا هي الملهة التي تتوافق صفاتها الأنثوية الساحرة مع انعكاسات الإلهام فتحوّل بفعل حضورها الطاغي (المستحيل) إلى (ممكن) و(اليومي الروتيني) إلى (خيالي سحري) وتأمل القصة التي توردها المراجع التاريخية عن سبب بناء واحدة من عجائب الدنيا القديمة (جنائن بابل المعلقة) يجرنا إلى هذا الحيز، حيث الأثر الفعّال للمرأة، فالملك (نبوخذ نصر الثاني) أمر ببناء هذه الصرح الساحر إرضاء لزوجته التي شعرت بقسوة المناخ في بابل الجافة، فكانت هديته لها واحدة من عجائب الدنيا التي حولت (الحبّ) والتقدير إلى بناء مادي عجيب.
وبعده بقرون طويلة وتحديدا عام 1631 كان الامبراطور المغولي شاه جاهان حزينا يائسا بعد وفاة زوجته (أرجمند بانو بیجم) التي لقبت بـ (ممتاز محل) ويعني القصر المزخرف فحوّل طاقة الحزن الموحشة إلى بناء ناصع مورق ليظهر (تاج محل) أحد أعاجيب العمارة حتى اليوم.
إنّ المرأة الملهمة التي قدمت للحضارة خدمة كبيرة بوصفها الحافز والمحرّك للفعل الإبداعي لا يمكن حصرها في نسق الرومانسية فقط، بل كانت ملهمة في أنساق جادة جدا وجافّة جدا مثل الاقتصاد والعمارة والرياضيات والعلوم، فضلا عن مشاركتها هي نفسها في هذه المجالات عالمة ودارسة وباحثة.. لذا يمكننا بكثير من الموضوعية أن نقول إن دور المرأة في قصة الحضارة كان تأنيق وتجميل تفاصيل هذه الحضارة وجعلها أكثر انسانية.