ثقافة الفكر الإبداعي في المسرح العراقي

ثقافة 2021/09/21
...

 د. علاء كريم
 
تعبر البنية الفكرية في النص المسرحي عن الواقع شكلاً ومضموناً، وذلك عبر تقديم افكار اجتماعية تعكس مظهر الحياة المعاصرة ونوع مشكلاتها داخل حدود البيئة، وما تحمله من قضايا مصيرية لها ابعاد فكرية رغم معاناتها، وهذا قد يخلق عند المتلقي استقراءً مغايرا يبحث من خلاله عن كل ما هو جديد، لإيجاد اللحظة الذاتية التي تمكنه من معرفة فعل المعالجة لتلك المشاهد، فضلا عن محاولة الوقوف عند الاحداث لتقييم التماسك البنائي للعرض مقارنة بالانعكاسات السلبية للواقع وبأسلوب نقدي يرتبط بالوعي الجمعي وما يحمله من مفاهيم ثقافية.
قد يفهم البعض أن المعالجات تحدث احيانا لإشكاليات عابرة أو هامشية تتناول المسرح ومنجزه بوعي غير منسجم ولا يستطيع أن ينهض بالمنجز الابداعي جمالياً فكرياً، وهذا يعطي انطباعا بأن هناك آراء وقراءات غير مهنية هدفها التقليل من الآخر لغايات نفعية ذاتية. عندما يتم تناول البنية الفكرية وبعدها الثقافي، يقتضي الابتعاد عن القيمة النفعية ومستوياتها الفكرية المتدنية وتجربتها الفردية المحدودة والسطحية، والتوقف عند موضوع الاشتغال المسرحي ومضمونه الإبداعي، وما يشير اليه من مفاهيم معرفية تحمل خطابا يمتلك التفرد في صناعة القدرات التي تبتكر وتدبر التحولات بشرط ان يكون انطلاقها عبر الجانب المعرفي والثقافي الاكاديمي ليشمل بناء مشروع فكري ينسجم مع ما يتم تقديمه من طروحات تنادي بأهمية الانسان وضرورة حضوره الفاعل بوصفه ذاتاً منتجة للمعرفة.
إن كل ما هو جمالي في فضاء المسرح والمسرحية هو نتاج المعارف والعلوم المجاورة والخبرات، وحتما هناك وعي ثقافي يمكنه تجسيد الفكر الابداعي ورسم قدرته التعبيرية داخل هذا الفضاء ومنهجية تفكك جزئيات المركب لخلق صور حياتية متخيلة بقصد جمالي فكري يلامس خصوصية العرض ويحاكي الآخر بصور لها ابعاد فكرية ترتبط بمكان المنجز المسرحي والزمان الذي يؤثر في شخصية المبدع وحدوده الانفعالية وقدرته الذاتية لكشف المنجز الإبداعي.
ما قصدته هو اعتماد عملية المواجهة لعمليات التفكير التي تبتعد عن معالجة الإشكالات الفلسفية بعمق فكري يتبنى ما وصلت إليه قوانين التعبير المسرحي من تحولات منهجية واخلاقية تلامس المجتمع الإنساني ومستوياته المتطورة، وعليه لا يمكن لأي شيء افتراضي أن يقدم بنية فكرية تدفع  منجزاً خطوة إلى أمام بشكل له صلة بمحددات التفاعل بين المتلقي والمبدع ورسالته، وقد تكون هذه التوجهات هادمة للفكر الثقافي المسرحي، وافشال أي نتاج مسرحي جديد، وتعطيل قدرات ودور العديد من الافكار التي يمكن ان تؤثر في واقع الحياة المسرحية. ومن ثم يمكن تجسيد رسالة المسرح الثقافية الفكرية عبر مستوى النتاج الفكري وبعده النوعي المقارب للفضاء الثقافي ما بين خشبة المسرح وصالة العرض، أي ما يلامس ذهنية المتلقي داخل جغرافية الفضاء وادواتها المتحركة بوساطة محاور منها: تفعيل منطق العقل، واعتماد منطق الإبداع الفني، وهذا الاشتغال ينتمي إلى الفلسفة الجمالية ودورها في رسم وتحديد نوع  العلاقة والسمة الانفعالية لصورة المشهد بعيدا عن السطحية التي يعتمدها البعض من خلال آراء انفعالية غير ملزمة وهي محاولة للتواصل السلبي لأفعال محلية مستهلكة الغرض منها تفريغ شحنات الانفعال والتوتر السلبي.
وهذا قد ينتج حواراً غير مهني لشكل تعبيري يعتمد الخطاب المباشر لمعالجة الصورة بعين المجتمع أو بمستوى ثقافة بيئة يعكسها ويجسدها المبدع بدرجة إبداعية متفاوتة، والحوار هو جزء من الثقافة السائدة في واقعنا المسرحي وما يلازمه أحيانا من إشكالات قد تترك أثرا لا ينتمي للوعي الثقافي في المسرح، وبعيدة عن المنطق العقلي ولحظة البناء الجديد القادر على المغايرة والتطور. كما أن تدني المستوى الفكري يؤكد بأن هناك بنية فارغة تؤسس لفرضيات يمكن ان تعمم من خلالها المعرفة السطحية للعديد من المصطلحات الافتراضية. 
وما يحدث حاليا في المسرح العراقي هو صراع من أجل البقاء والهيمنة على حساب الآخر، حتى وإن كان متمكنا من أدواته الفكرية والابداعية، والعمل على تثبيت بعض المفاهيم التي تمارسها السلطات المعنية بالمسرح وما يفرض عليها من قوانين الغرض منها انتاج او حدوث تقاطعات تحدد المنجز الابداعي الفكري لواقع المسرح العراقي ودوره الريادي في تنشئة جيل يمتلك من الفكر والابداع الكثير، إذا ما توفر له الدعم وسبل النجاح، وأقصد الدعم المعنوي لما له من اهمية وموضوعية في ايجاد هذه المساحة المعرفية والعمل على استمرارها من اجل الارتقاء بالمنجز الجمالي الفكري، عبر النقد وما يمتلكه من عمق دلالي ينزاح الى  المستوى العلمي الذي يقرأ مفهوم هذا الفن واشتراطاته.