دوران الزمن.. إعادة انتاج الوحدات الزمنيَّة

ثقافة 2021/09/30
...

 محمد يونس
 
في الشعر ثمة مسألة جد خاصة في تفسير الزمن داخل المضامين الشعرية ولغة التعدي والانتحال، إذ عادة ما نجد اختلافات كثيرة في مسار الوحدة الزمنية، إذ التتابع الزمني يمحو نسبا كبيرة من الكثافة الزمنية، وخصوصا اذا كانت الذات الكاتبة هي المحركة للمعنى تجاهها ومن خلالها، وهنا يتبدد الكثير من الوحدات الزمنية، وذلك لعدم انتهاء النشاط الملحوظ لتلك الوحدات الزمنية، لكن في الشعر لما المعنى يقوم بنفسه باستبدال نفسه بما يسمى بالجانب الالتباسي، وهنا يكون المعنى قد دعم الكثافة الزمنية، واعاطاها ذلك الدفق الحيوي تعبيريا ورمزيا، والكثافة الزمنية في الشعر ليست بترسيخ حسب ما يفهم منها بالبعد العام، بل هي إزاحة فنية لا تؤثر في الزمن وتغيره او تمحوه، بل تجدده لكسب معنى أجدر، والكتابة الشعرية تنفرد بهذا الاطار وتتميز به بشكل فاعل، حيث اذا يكون قد تم ثلم المعنى، فالتلقي سيجد في فهمه القرائي أن المعنى مبتور وغير تام، وهذا البتر لا بد من تأثير له على بنية النص الشعري بمجملها، وقد ابتعد جاسم العالي في مجموعته الشعرية -دوران - عن ذلك الفهم والممارسة الزمنية، وانتج لنا كثافة زمنية لثلاث مستويات شعرية من خلال الدوران الاول، الدوران الثاني، الدوران الثالث، وهذا التعاقب الرقمي الرياضي لا يعني ابدا وجود تسلسل زمني تتعاقب من خلاله الدورانات
 الثلاث.
الكتابة الشعرية في مجال قصيدة النثر لها رغبة تشابك مع البعد الفني لكسب شكل جمالي، والمناورة بذلك الشكل ازاء السائد من الكتابة الشعرية، وجاسم العلي يسعى على الدوام ليكتشف ويتصدى لمقومات فنية تخرج نصه الشعري من اطار القولبة والتكرار، وذلك ما يعطي النص الشعري طاقة مضافة، وعلى وجه الخصوص في التفسير الجمالي للنص الشعري، وهو في منجزه الجديد -دوران- في اطار التجريب في قصيدة النثر، قدم لنا انتقالات زمنية من وحدة دوران اولى بعد تكاملها وتحول مسارها الزمني الى العدم بعد تحوله الى الزمن المائل -الذي يراه باشلار اكثر انواع الزمن جدوى فنية- واشار لنا في انتقالاته عبر العنونة الداخلية حيث تلي المفردة ثلاث نقط، هي في تفسيرنا للعنونة قد ازاحت أن تكون العنونة محت ما قبلها لوجود ما بعدها من دال، وفي نص - نهار- من الدوران الاول: (حافل/ بالنظائر شكل الغياب/ قابل/ للطي والتذكر غشاء/ الرغبة).
اولا هناك توازي موضوعي بين مفردة - حافل ومفردة قابل، إذ هما من التصريف نفسه وهذا سيوحد ايقاعهما، وثانيا النص يمثل وحدة نص ومستهل بشكل مشترك، وثالثا الكثافة الزمنية للنص كانت عميقة من خلال تعبير الجمل الشعري، وننتقل بعد هذا النص الى دوران ثانٍ قد يمثل حسب تفسيرنا غد الدوران الاول شبه المعلوم، وتقصدنا النص الضامر -عري- (العزلة العارية/ ترنيمة عدم أخير).
النص هدف فنيا لها أن يختصر نفسه الى اقصى الحدود، لكن على أن يكون وفق مبدأ ضاقت التعبيرات في ما قد اتسعت الرؤيا كثيرا، وقد توغلت الرؤية النصية عميقا، إذ جعلت أولا هناك مضمونا لشكل القصيدة، وثانيا صيغ التعبيرات الأربعة مجردة فلسفيا، أي تحيل الى معنى ما بعد المعنى، ثالثا هنا وحدة الزمن لا تثقلها الحمل فسمت بالنص الى أقصى حد ممكن، والبلاغة هنا هي ما بعد المضمونية، أي هي بلاغة تأويلية نصية، ومن المدار الثالث والذي يمثل ما بعد غد لا ملامح له، اخترنا النص -غرق- والذي يمكن وصفه بنسق كتابة فني، حيث القمر هو كيان النص، وتلك جدارة وعي الشاعر في عزل شخصه: (غارق بالتفاصيل/ قمر المساءات/ يقلبها).
صراحة هناك تنظيم واعي للنص، إذ قدم الوصف على الموصوف، وآخر الموصوف ليكتسب النص في المستهل منطقا عاما، ومن ثم يعود لاكتسابه منطقا خاصا، والكثافة الزمنية هنا اتاحت للمعنى الشعري أن يجعلها هائلة، ومهمة تقليب التفاصيل هي تدل على تجدد وحدة الزمن، إذ التفاصيل بعدم وجود ملامح لها تبقى مؤكدة ويستمر زمنها في التجدد الافتراضي.