ما المغزى من إعادة حساب قيمة «باي»؟

بانوراما 2021/10/03
...

 دونا لو 
 ترجمة: أنيس الصفار                                            
انفق الباحثون السويسريون 108 أيام في حساب قيمة «باي» (الذي يرمز له بالحرف اللاتيني π ) مسجلين بذلك دقة قياسية جديدة مقدارها 62,8 ترليون مرتبة عشرية.
باستخدام اجهزة الكومبيوتر حطم هذا الحساب الأخير الرقم العالمي السابق، وهو 50 ترليون مرتبة عشرية، مع تفوق بالسرعة قدره 3,5 مرات، إنه لانجاز باهر وقد استغرق وقتاً ليس باليسير، بيد أن ذلك كله يدفع المرء للتساؤل: ما الداعي؟
«باي» بالطبع هو ثابت من الثوابت الرياضية، ويعرف بأنه النسبة بين محيط الدائرة وقطرها، ولقد تعلمنا في المدرسة أن محيط أي دائرة يساوي( 2πr أي 2 مضروبا في «باي» مضروبا في نصف قطر الدائرة r ).
«باي» عدد متسام غير كسري، أي ان له عدداً لا نهائي من المراتب العشرية ولا يمكن التعبير عنه بصورة كسر لعددين صحيحين، وقد حاول البشر منذ زمن البابليين الاقتراب الى اقصى حد من هذا الثابت الذي يبدأ بـ (3,14159) محققين قدراً متفاوتاً من النجاح. 
في العام 1873 مثلاً أجرى عالم الرياضيات وليام شانكس حسابات يدوية أوصلته الى المرتبة العشرية 707 وتوفي وهو مؤمن بأنه حقق انجازاً كبيراً، ولكن تبين بعد ذلك بعقود أنه قد ارتكب خطأ عند المرتبة العشرية 528، وفي العام 1897 كاد ما يسمى «قانون باي إنديانا» أن ينهي هذه السلاسل المربكة من الارقام العشرية اللانهائية ويضع لها حداً بالمرة.
ما جدواه؟
يقول جان ديغير، وهو بروفيسور بالرياضيات والاحصاء من جامعة ملبورن، ان الاقتراب من قيمة «باي» الى أقصى ما تسمح به الدقة أمر مهم لأن هذا الثابت الرياضي له العديد من التطبيقات العملية المختلفة.
يمضي ديغير مبيناً: «الاقتراب من قيمة باي له اهمية لا يمكن تصورها لأننا نصادفه في كل مكان بدءاً من النظرية النسبية لاينشتاين، مروراً بتصحيح المعلومات في جهاز تحديد المواقع، ثم انتهاء بسائر المسائل الهندسية في عالم الالكترونيات.»
في عالم الرياضيات يبرز لنا «باي» في كل مكان ولا مجال لتجنبه، كما يقول «ديفد هارفي» وهو استاذ مساعد في جامعة نيوساوث ويلز.
يضيف هارفي أن «باي» له أهمية أساسية ايضاً في عملية رياضية يطلق عليها اسم «تحويل فورييه»، يقول: «كلما شغّلت ملفاً من نوع «أم بي 3» او شاهدت مقطعاً عبر «بلو ري ميديا» فإنك تستخدم «تحويل فورييه» على طول الخط لضغط البيانات.
يقول ديغير ان تحليل فورييه يستخدم ايضاً في تكنولوجيا الصور في المجال الطبي، كما يستخدم لتحليل مكونات ضوء الشمس الى خطوط الطيف، بيد ان هارفي يقول ان الفرق عظيم بين حساب قيمة «باي» الى حد 10 مراتب عشرية والاقتراب منها الى 62,8 مليار مرتبة.
يمضي هارفي مضيفاً: «لا يمكنني أن اتخيل وجود تطبيق فيزيائي في العالم الواقعي يتطلب اكثر من 15 مرتبة عشرية.»
يقدر علماء الرياضيات ان الاقتراب من قيمة «باي» الى 39 مرتبة عشرية كافٍ جداً لإجراء معظم الحسابات حتى الكونية، اذ ان هذا يكفل دقة تكفي لحساب محيط العالم المرصود الى حد قطر ذرة الهايدروجين الواحدة.
 
دقّة متناهية 
ما دام حساب «باي» حتى 1000 مرتبة عشرية يتعدى الحاجة والمطلوب من الناحية العملية فما الذي يدعو البعض لحسابه الى المرتبة العشرية 62,8 ترليون؟.
يقارن ديغير الأمر بالانجاز الرياضي في الالعاب الأولمبية فيقول: «الارقام القياسية العالمية ليست شيئاً بحد ذاتها، ولكنها ترسم حداً وتعلمنا أننا قادرون على الوصول وتحفز آخرين على المنافسة، هذا تمرين في تخطي النقطة المرجعية ولكن في ميدان الأجهزة الحاسبة والبرمجيات.»
ويؤيده هارفي في ذلك ويقول: «إنه تحدّ حسابي، وهو شيء صعب التحقيق بجدّ ويقتضي معرفة مستفيضة في علم الرياضيات وكذلك في علم الحاسبات في زمننا».