دانتيلا اللوغاريتمات

ثقافة 2021/10/05
...

ابتهال بليبل 
 
في نهاية عام 2019، اشترى أحد الرجال من (سان فرانسيسكو) فستانا جديدا لزوجته.. موديل (ماكسي) بأكمام طويلة خفيف الوزن ومزيّن من الأمام بتفاصيل دقيقة وهذا حدث مكرّر وروتيني جدا وربما يحدث كل لحظة وفي أنحاء متفرقة من العالم.  
ولكن الغريب والمثير أن هذا الفستان لا وجود له أصلا لأنه صُمم من قبل شركة للأزياء الرقمية وكان عبارة عن ثوب رقمي تمّ تركيبه على صورة زوجته ثم ضبطت مقاساته وعدلت زواياه لتبدو وكأنها كانت ترتديه فعلا!!
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ففي عام 2021 ظهرت ضرورة وجود تقنية افتراضية أو رقمية من هذا النوع بسبب دخول الجائحة عالمنا الواقعي فجأة فكان هناك أسبوع الموضة الرقمي الأوّل، الذي وفر طريقة أكثر أمانا للمشاركة مع استمرار سيطرة وباء كورونا بتعقيداته التي غيّرت نمط حياتنا بصورة جذرية.
وتصمم الملابس الرقمية عادة باستعمال برامج ثلاثية الأبعاد: ملابس واقعية تم تجهيزها وتقديمها على الصور، وهذه العملية هي تماماً مثل التسويق الرقمي الذي يتطلب مشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت ومن ثم تختار ما تريده وما يناسبك! 
ولنتخيل تلك التجربة، تعثر المرأة على أكثر من فستان عند تصفح الإنترنت وبدلا من أن تشتري الذي يعجبها من خلال التوصيل السريع وتنتظره.. تكون قادرة على رؤية نفسها وهي ترتديه بسرعة البرق.. ويمكنها ارتداء هذا الفستان بطرق مختلفة واحتمالات ألوان متعددة فهذا ما تقدمه الأزياء الرقمية للمشترين.. الملابس التي لا يمكنك لمسها، ولكن يمكنك أن ترتديها (رقميا) وتتفاعل معها وأنت ترى نفسك (آخر) غريبا في الصورة!! 
وقد اتخذت الموضة الرقمية في عرضها للمستهلك شكلين متميزين هما: الملابس المعروضة رقميا في حيز إلكتروني مجسم، والملابس المادية المعروضة عبر البث المباشر والأفلام الترويجية وكما يبدو أن كلاهما من سيمثل المستقبل المستدام للأزياء وعالم الموضة القابل.  
وربما تكون هذه التقنية الرقمية هي واحدة من أكثر التقنيات التي توفر امتيازات حقيقية لبناء مستقبل أكثر استدامة وتقدمية وجدوى اقتصادية، فضلا عن أننا بها يمكن أن نتخلص من كل النفايات المرتبطة بصناعة الموضة المادية أو التقليدية وانبعاثات الكربون وغير ذلك من ملوثات البيئة.. لكني أتساءل هنا عن النسوية ورؤيتها نحو هذا التطور إذا ما عدنا إلى حقيقة أن الدراسات تتخذ من الموضة أداة نقدية نسوية تجمع بين الجسم الحي الممثل لهياكل ثقافية أكبر، وتربط بين الجنس والعرق والعمر والدين في علاقتهم بالرأسمالية تاريخياً وحاضراً.
وبعيداً عن الجدول الزمني للنسوية فإن بعضهم يرى بأننا حاليا في موجة نسوية رقمية، وشئنا أم أبينا فإن الموجة الثالثة ركزت عبر مضمونها الظاهر على كيفية ارتداء النساء للكعب العالي واستعمال أحمر الشفاه! 
ولهذا ليس مبالغة أن أقول إنّ هذا الحدث تحدٍ جديد للنسوية لأن الأمر هنا يتعلق بالاختيار والفرز ومن ثمّ تعريف الذات ورفض ثنائية المذكر والمؤنث.. لأن الملابس كرمز للمساواة هي حاليا متعددة الأوجه مثل الراهن الثقافي الذي نعيشه ونحاول أن نقرأ دقائقه الكثيرة بعلمية وموضوعية.