الحوار في السرد.. والصوت في الشعر

ثقافة 2021/10/06
...

 جوليا كاستيرتِن
 ترجمة: زيد الشهيد
غالباً ما يأتي الكتاب الى الحوارِ بخوف وتعتريهم حالة من القلق والتوجّس، ناظرين إليه على أنه معضلة، فيروح الكاتب يتساءل: «كيف أجعل الناس يتكلمون بصورة طبيعية؟»، «ماذا يقولون هنا؟»، «ماذا عليهم أن يحتفظوا لأنفسهم هناك؟».. في حياتنا اليومية المعاشة نتعرف على الناس عبر طرق عديدة: طريقة أكلهم، ملبسهم، رائحتهم، حركتهم، أسلوبُ تحكمهم بأنفسهم.. فالكلام هنا أحد أكثر مظاهر كشف شخصية الفرد.
 
نحن نصغي الى نبرة أصواتهم. هل هي مشوبة بالمرارة والألم، هل تعتمل فائرة في الصدر، هل تتأثر نبرة الكلام عندما نكون في المنزل؟... في بريطانيا اعتدنا غالباً على الاستماعِ لنبرة كلام الشخص. فهي تُخبرنا من أين جاء؛ وهي غالباً ما تدلُّنا على خلفيات أصحابها، ولأيِّ فئة اجتماعية ينتمون. فاللهجة المحلية تختلف، بصورة واضحة، من حيث بناء الجملة والقواعد النحوية عن اللغة الانكليزية المنهجية. إنَّ طريقة التعلم في معاهدنا التربوية تُرينا أنَّ كلَّ فرد، سواء بوعي أو بغير وعي، قد اختار عدم التخلّي عن انماط الخطاب في منطقته التي يعيش فيها قياساً بنوعية نبرة وايقاعِ اللغة المسموعة من هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي. ونحن نهدف لتحديد الناس من خلال ما يقولون، وما يتحدَّثون به، وصولاً الى استنتاجات حول ما اذا كنّا نتحبَّب الى الأشخاص من الطريقة التي يُمثلون فيها أنفسهم بالكلمات التي يقولونها. 
عبَّر دي .أﭻ . لورنس عن ذلك في قصيدة تَحمل عنوان «صوت أُكسفورد»:
عندما تَسمعه فاتراً، ومُتأرجحاً   
ويأتي مُتسلِّلاً عبر الأسنان الأمامية،
تتيقَّن أنَّه صوت أُكسفورد 
تتبيَّنه صوت أُكسفورد  في أكثر الاحتمالات.
لن تضحك كثيراً لسماعه، ولن تستطيع الضَّحك حتى.
تظهر هنا حذاقة لورنس وحكمته وانضباطه في القصيدة بما يتعلَّق باللهجة المحلية وميزة الصوت الذي ينمّ عن ترفّع وتفوّق خاصين به... لكتابة هذه القصيدة، كان على لورنس الاصغاء بجلاء لصوت أُكسفورد.. فهو يعرف ما يحدث داخل الفم وكيف تصدر الاصوات.. إنه يسمعنا الصوت؛ من هنا نستطيع اختبار ذلك بأنفسنا وطرح أسئلتنا حوله؛ ومع هذا فإنّ لورنس لم يستشهد بصورة مباشرة ما يقوله صوت اكسفورد. أعتقدُ أنّه يمنحنا الفكرة الأولى، رأس الخيط، في كتابة الحوار: يجب أن نستمع؛ ويجب علينا إن استمعنا مساءلة أنفسنا كيف نشعر إزاء صوت سمعناه فقط.
إنَّنا بحاجة لمعرفة ما هو شعورنا إزاء الاصوات لأنّ نبرة الصوت أو النغمة المحددة إذا كانت بغيضة، غير مُحبَّبة، لنا فإنِّنا غالباً وبالفطرة نتحوَّل عنها، وننساها، ونجعلُها مستحيلة الاستعمال، في حين أنّ هذا الصوت قد يُعزِّز كتابتنا  إلى حدّ كبير. فضلا عن ذلك أنَّنا بتحولنا عن سماعِ صوت نكرهه أو نخشاه من دون تمحيص سنكون قد تحوَّلنا عن مصدر الصّراع، بينما يتكينن هذا الصراع كأحد الأغذية الغنية التي يحتاجها الكاتب في مسار حياته الابداعية. 
فإذا كنت قادراً على الامساك والتحكّم واختبار فاعليتها في الوقت نفسه فما عليكَ سوى إجبار نفسك على الاستماع للصوت ومعرفة ما يُقدمه من إجابة أنت بحاجة إليها، وعندها ستبدأُ بحيازة ما يمنحه لك هذا الصوت، وكسر الصمت المُخيف الذي يحيط به؛ وعندها ستُحقّق، وبصورة عرضية، اضافةَ صوت آخر إلى مصدرِ كتابتك.. خُذ هذه الحالة مثلاً: في احدى أوقات الظهيرة وبينما كنت في الولايات المتحدة الاميركية تلقَّيت اربعة نداءات هاتفية فاحشة. كنتُ وحيدة في البيت فشعرت بالرّعب إلى أقصى الحدود. وإذْ اتصلت بالبوليس طلبوا منّي تدوين كلّ ما تفوَّه به المُتَّصل، وهذا ما لم أرغب به. ما رغبتُ به بعد حين هو نسيان ما حدث. ومع هذا أجبرتُ نفسي على كتابة ما تلقّيته من عبارات غير لائقة
جداً.
 وفيما رحتُ أكتب ذلك شرعت قوة الرعب وتأثيره يتبدَّدان شيئاً فشيئاً. فقد احتويتُ التهديدات بالكلمات المكتوبة وتولّيت السيطرةَ على الموقِّف. احتفظتُ بالورقة التي دوَّنت فيها الكلمات. وعندما عُدتُ الى البلاد وتناولت الحادثةَ بالتفكير تحوَّلَت عندي إلى قصيدة. كان من الأهمية لديَّ عدم جعل الخوف الذي أثاره المُتَّصل المجهول يتسبَّب في إسكاتي وصمتي. لذلك عندما انتهيتُ من كتابة القصيدة ساورني إحساس بالانتصار، ذلك أنَّني كسرت صمت الخوف. 
وعلاوة عن ذلك حسبت أنَّني كتبت قصيدة جيدة لأنَّني كنت أواجه مشكلة مع صوت المتكلِّم وتأثيره، واجبرتُ نفسي على إعادة سماعه، في عقلي، مرة أخرى كي أخلق الاجابة المناسبة عليه... لقد تحوَّلت تلك المحادثة إلى قصيدة.