تعدد المهرجانات.. الأهداف توافق واختلاف

ثقافة 2021/10/14
...

 د.عواطف نعيم  
بالرغم من أن المهرجانات تشكل أهمية كبيرة في حضورها الإنساني والاجتماعي في أي بلد تحل به وتترسخ تأسيسا وحركة في نسيج بنيانه الوطني والثقافي بوصف المسرح منذ الاعلان عن وجوده ما كان إلا منبرا للديمقراطية وتحول عبر اجتهادات وإصلاحات منظري المسرح والمجددين فيه الى منبر للاحتجاج والتنوير والمتعة البريئة، إلا أن هذا لا يمنع من أن لهذا الوجود الضرورة والمدرسة التعليمية الموجهة أن يكون في بعض الاحيان ولدى بعض الشخصيات (وهي أحيان كثيرة وأشخاص كثر) منبرا للترويج لأفكارهم ودعواتهم وتوجهاتهم النابعة من مصالحهم ومصالح من عملوا معه أو يعملون لأجلهم.
 وهذا التعامل له ما يبرر وجوده وتكريسه لذلك البعض ممن تعودوا ركوب الموجة والسعي الى تحقيق المكاسب والمنافع أيا كان نوعها، أمثال هؤلاء يبتكرون الطرق والاساليب كي يحوّروا ويحرّفوا في أهداف تلك المهرجانات والملتقيات حين تقام ولا يتورّعون عن تزييف تأريخ نشوء المسرح في هذا البلد العربي أو ذاك بغية تحقيق الرضا والقبول لدى من يجعل إقامتهم في البلد الذي يتواجدون فيه مريحة وآمنة ودانية قطوف المغانم فيها!، لذا نرى ثمة تغيير ومفاجأت تطرأ في هذا المهرجان أو ذاك، فتكرار ذات الوجوه ومداورتها في ذات المهرجانات والملتقيات وتكليف بعض الاسماء من دون غيرها بمهام النقد وادارة وقيادة الندوات وحضور البعض الآخر ضيوف شرف تجدهم في أغلب المهرجانات يتنقلون دونما عمل أو واجب بل شخصيات يتم تزويق المهرجان بها، ومن ثم فإن مهمة هؤلاء الضيوف الدائميين هو المدح والانبطاح والشكر والمباركة والتقاط الصور مع المسؤولين وأصحاب المناصب العليا ومن يرعى تلك التظاهرة الفنية ومن يغذيها ماديا!، ولأن ليس ثمة تخطيط حقيقي يسبق انطلاق أي مهرجان عربي في بعض البلدان العربية يكون مستفيدا من وصايا ومقترحات  الدورات السابقة التي يفترض أنها سجّلت وشخّصت المشكلات والاخطاء والتجاوزات من قبل القائمين على تلك المهرجانات، تلافيا للوقوع في تكرار تلك الأخطاء، وتطويرا لمنهاج وحياة المهرجان ضمانا لنجاحه وقوة تأثيره وتفعيلا لدوره في تعزيز وجود الظاهرة المسرحية وجعلها ضرورة حاضرة ومطلوبة!، مع ذلك نلمس من خلال المتابعة  المسؤولة والرصد الدقيق أن ما يحدث في تلك التجمعات الفنية هو استنساخ لما سبق وتم تداوله والعمل من خلاله. 
ويبقى هذا الحال في تكراره ورتابته ما دام هناك العديد من المطبلين والمبّوقين الذين اعتمدوا المنافع من دون احترام للرأي والفكر والقيمة الأخلاقية والجمالية لما ينبغي أن يقدم ويطّور ويعتنى به ليجعل من الظاهرة المسرحية التي يحتفي بها المهرجان ظاهرة إنسانية على المستوى الثقافي والفني والجمالي بحيث تكون المحصلة النهائية لما أنجز إضافة نوعية تؤشر وتشير الى عافية فكر ونضج مجتمع، هنا لا بد أن نشير الى مهمات وزارة الثقافة والفرق العاملة في مؤسساتها والفرق الأهلية المتواجدة على أرضها فضلا عن تجمعات منظمات المجتمع المدني التي تهتم وتعمل على الظاهرة المسرحية الى أن تكون متابعة ومتواجدة في مجال التخطيط والإدارة حين يكون هناك توجه جاد وحقيقي  لإقامة مهرجان يخرج من حدوده الاقليمية ليحتضن عروضا وفرقا وشخصيات عربية وعالمية تسعى لتطوير وتعميق وجود الظاهرة المسرحية في المجتمعات الانسانية لخلق الوعي وبث روح المتعة والمعرفة. 
على العاملين على هذه الظاهرة الكونية الدفاع عنها ودرء التعدي على جوهرها المعرفي من قبل صيادي المهرجانات واللاهثين وراء المنافع، ترصين المهرجانات والحفاظ على وجودها الباني والمؤسس هو الطريق لحفظ حقيقة المسرح المعرفية وعوالمه الباذخة بالسحر والمتعة، وهذا ليس بالأمر السهل والمواتي أمام جمع من المنتفعين والمتلاعبين بأقنعة الريادة والأصالة والتأسيس وزارعي الشكوك وباذري أشواك العداء والتضليل، لكن فلنحاول لأن هذه من مهمات المسرحي الحقيقي والذي يجد هدفه في منح الآخرين حرية الإرادة والفرز والاكتشاف، عيون الوعي هي عيون المسرح حين تضاء فضاءاته.