لوحة من الفولكلور الشعبي في الديوانيَّة

فلكلور 2021/10/14
...

  ثامر الحاج أمين
الموروث الشعبي ثروة كبيرة من الآداب والفنون والقيم والعادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف الشعبية الذي يقوم المخيال الجمعي بحفظه وتسويقه من جيل الى آخر عبر التداول الشفاهي للحكايات أو عن طريق توظيفه الفني، ويعدُّ الموروث الشعبي جزءاً مهماً من الهوية الوطنية لأي شعب ويستحوذ على مساحة ليست بالقليلة من تاريخ وثقافة الشعوب، فذاكرة المدن زاخرة بالحكايات والمعتقدات الشعبية والطقوس الفولكلورية ومنها مدينة الديوانية التي لا تختلف عن سواها من المدن في هذا الحقل الإنساني
فقد شهدنا وعشنا في ستينيات القرن الماضي جانباً من طقوسها الفولكلورية ومنها حتى اليومً اطلقوا عليه ( الچمبه سوري) حيث حرصت شريحة واسعة من الديوانيين على التجمع في هذا اليوم عند مقام النبي ايوب ــ الذي يتوسط منطقة (أهل الشط) ــ في جو من المحبة والفرح تسوده الألفة والمشاركة الشعبيَّة العفويَّة ويزدان المكان بالبالونات الملونة وتنطلق عالياً أصوات المزامير والدبكات الشعبية ممزوجة بنداءات الباعة وعرباتهم المزينة بالدمى والأشرطة الزاهية، فضلاً عن ضحكات الصبيان وهي تتقافز فوق ألسنة النيران حيث تصبح أجواء هذا الكرنفال الشعبي أشبه بيوم المولد عند الأخوة المصريين.
والغريب أنَّ السلطة الحاكمة آنذاك لم تمنع أو تتدخل في إقامة هذا الكرنفال الذي يكون إشعال النيران فيه أبرز طقوسه بالرغم من جذوره الفارسية، إذ يحتفل الايرانيون بيوم الأربعاء الأخير من السنة الفارسية ويطلقون عليه (جهار شنبه سوري) الذي يعدُّ أحد الأيام المقدسة عند الفرس حيث يمثل وداع آخر شمس في السنة الشمسية وإعلان قدوم الربيع، ففي هذا اليوم يتوجه الايرانيون الى إشعال النيران في الحدائق وفي الريف والشوارع والقفز فوقها، وترمز هذه الحركة لسحب كل ما هو سلبي من جسد المرء وروحه الى اللهب ونيل الدفء والنور بدلاً منه.
والطريف أنَّ «فرح ديبا» زوجة شاه إيران محمد رضا بهلوي وأثناء وجودها في المنفى بعد الإطاحة بحكومة زوجها عام 1979 تشير في مذكراتها الى أنها في مثل هذا اليوم من كل عام حريصة على إشعال شمعة والقفز فوقها حيث تَعدُّ هذا التقليد جزءاً من هويتها، ومن الطبيعي أنْ تشترك المجتمعات المتجاورة بعدد غير قليل من العادات والتقاليد والطقوس، وذلك بفعل الاحتكاك الاجتماعي والثقافي والتجاري الذي تفرضه حاجات اقتصاديَّة وجغرافيَّة وعوامل أخرى.