ميثم الخزرجي والنزوح نحو الممكن

ثقافة 2021/10/20
...

 حاورته: فرات غانم 
 
* ماذا عن المجموعة الجديدة قيد الطبع محنة الرائي؟
- محنة الرائي هي امتداد للمضامين الجدلية المدونة في نتاجي القصصي السابق بورشتها ومشغلها، المتخذة من الطقس الاسطوري والميثولوجي المحتدم والمتشعب شواهد ودلالات، محيطاً ببعض من قضاياها مع الانهماك بالأسئلة الوجودية الذهنية الشائكة المعلقة منذ دهر وتفكيكها داخل النص، لكني وبهذه المجموعة على وجه الخصوص حاولت جاهداً أن اتخذ من الثنائيات الراسخة في وعينا ايقونة وعلامة مضيئة ومناقشتها محاولاً مسك العصا من المنتصف، متبحراً بالمعادل النسقي وابعادها الفلسفية، كالشك واليقين مثلا، والمتن والهامش، الخير والشر، واشراك الهم الجمعي المنغمس بواقعه ومقارنته بمراحل فائتة، وهنا لا بد لي من صرخة لأعبر عن معاناة الانسان في هذا العالم وما لحقته من تراكمات اخذت منه الكثير وقوضت من معناه.     
 
* لماذا لا توجد مساحات للأمل في كتاباتك؟
- المسألة نسبية في كيفية التعاطي مع مفاهيم ودلالات كهذه، كوني أجد أن اقتراح الهم بعناية ومكاشفته يفرض على الكاتب أن يكون واقعياً في اظهار ازماته سواء الفكرية أو المجتمعية والسياسية، وأن لا يغالي في اشكالية وقوع الحدث ليفتح مشارب ومنافذ عدة غايتها إعطاء وجه شاحب للنص، أو أن يقلل من حالة الغبن وفداحته ليدلل بنصه على اختلاف طقسه المعيش، لذا أجد أن هاجس الأمل موجود بنسقه الظاهر والمخبوء، فالبعض ينظر إلى أن الاطاحة بالأفكار السوداوية ونبذها، وبث روح الوئام بين صفوف المجتمع وانعتاق الرؤى من هيمنة المحاذير وتمريرها من دون حواجز وعقبات هو أمل وحالة خلق باذخة ومدعاة لتأسيس معمورة يعمها السلام، أن تشتل شجرة، أو تكري نهرا، أن تبحث عن الأمل بحد ذاته هو اقصى مراحل الامل ومدياته الجمالية والانسانية.
    
* ما هي وظيفة الكاتب، ولمن تكتب؟
- هو ما بين أن يصرّح بقضاياه الكبرى بأدواتٍ وعدةٍ جماليةٍ معولاً عليها بتكنيك معين ليعلن الندرة من خلالها، ليأتي دور المكاشفة والمصارحة عن نوع القضايا المتبناة، ولا ضير في أن يغترف من المعرفة ومناهجها المكتنزة بضرورات تثري النص وتعطيه انزياحاً وبعداً جمالياً، لا تتأتى عن طريق الاقحام والايغال عوضاً عن جفاف عالمه القصصي، ليتخذ النص منحىً علمياً يخضع لدلالات خارجة عن المحتوى المقصود، تجده يكتب عن الانسان المهمش في اقصى الضباب مخاطباً من خلاله البدوي المحمل بالدفء واليباب، وهنا نبصر بأحقية لامثيل لها أن اغلب النصوص المعمّرة هي التي خاطبت واشركت الهم الانساني في محتوها الجمالي. 
 
* هل العزلة القسرية وفترة الجوائح المرضية تضيف رصيدًا أدبيًّا؟
- هذا سؤال جدلي كوني انظر للعزل القسري نظرة فلسفية بحتة، لكن بمضمونه العام وغايته الصريحة يعطي الكفاية تبعاً لبعض المشاريع المؤجلة التي ركنتها ضرورات الحياة وفوضويتها، فهناك مساحة من الوقت فُرضت علينا بتنا نفتقدها منذ أمدٍ بعيد فيما إذا توقفنا عند نوبة المخاض النفسي الذي يُمارَسُ خارجاً وما يصاحبه من هلع مروراً بمراحل الفقد الذي تبناه الوباء اللعين، نجد اننا مصابون بحالة من الغثيان المنهك به هذا العالم المحتدم والمكتظ.
 
* هل نحن في زمن التفاهة والرداءة الأدبية؟
- كل زمن مفعم بالصراعات الفكرية واختلال في المفاهيم المؤسِسة لواقع المجتمع تظهر بعض من السياقات المحملة بالصخب والضجيج والنفعية ايضا، التي تربك مفاصله على اختلافها وخاصة المفصل الثقافي، الذي يسهم في إبراز الهوية الحضارية للمجتمع، كأن يكون بزوغ ظواهر معينة ناجمة عن سلوكيات وتصرفات غريبة، أو تأسيس لمناخ أو طقس سياسي أو عقائدي ما، أو إعطاء مساحة مجانية مقصودة لتشويه المسلّمات الجمالية، وهذا شيء لا خلاف عليه من ناحية المضمون والمحتوى، بقي لزاما علينا القاء الضوء على المسببات والادلة الفعلية الناجمة عن استشراء هذه المساوئ، ومدى تأثيرها على واقع المجتمع، لنجد أن طابع تسليع المنتج الادبي الذي تبنته معظم دور النشر من دون رؤية ناضجة ودراية عميقة يساعد في الترويج والتسويق لنتاج باهت وبائس لا ينم عن وعي وإحاطة بماهية الشكل الأدبي من ناحية الضوابط والضرورات المتخذة لها.
 
* حضارة وادي الرافدين وتأثيرها في شخصياتك؟
- حضارة وادي الرافدين حضارة عريقة بمحتواها الفكري والانساني، إرث مهم وذخيرة ملمة بكل ما هو مدعاة للفكر والمعرفة، وهذا كلام لا خلاف عليه، بحكم قراءتي للأثر وتاريخ الحضارات ناهيك عن السياق العام لجو المدينة الثري الذي شكّل بالنسبة إليّ حافزاً ودافعاً مهماً في أن استحضر شخوصي من مناخات مهابة كهذه وانتقي لهم لباساً بحلّته الجديدة المعنية داخل النص، فهنا لعمري فتح مشارب مكتنزة وابرازها بطابع مغاير ووجه مختلف معبأ بروح ثمينة لها مدلولاتها واثرها الواضح في أن أعطي كشوفات وبراهين محملة بمضامين تاريخية وفنية لها ابعادها المبهرة، العامل الآخر وهو نسق نفسي غير ظاهر في أن أجد معناي أو ربما معنى الشخصية وترميمها بكامل عدتها وقيافتها لتكون علامة مضيئة ناهيك عن البعد الجمالي لها.
 
* تحبّ الوجودية أم تهرب إلى التاريخ وكيف توظّف استلهام الأسطورة كما حصل في بريد الآلهة؟
- بالنسبة إليّ أحب ان أشرك أي سؤال كوني يعنى بالإنسان، سواء كان منضوياً بالأثر أو منحازاً لواقع مر، لكني حاولت قدر الامكان أن أخلق جواً جدلياً معرفياً بأدوات وعدة فنية حتى لا يكون نصاً جاداً صلداً محملاً بمثقلات الاسئلة الفلسفية ونظرياتها.
أما في ما يخص توظيف الاسطورة في بريد الالهة فإنه لم يك مفتعلاً على الاطلاق بل أتى بحكم تأثري بالمناخ الاسطوري والميثولوجي اللذين من خلالهما أدركت أن كم الازمات والمحن التي يعيشها الانسان هي متوارثة باختلاف ماهيتها وشدة وقوعها.
 
* أحلامك وتطلّعاتك المستقبلية؟
- ما بين الأمنية والحلم اتطلع إلى غدٍ مشرق ينعم به انسان هذا العالم على اختلاف انتماءاته وتوجهاته، وأن يسود السلام والطمأنينة شتى بقاع المعمورة، كوني اجد أن استقرار المجتمعات وشعورهم بالخلاص من هذا الجو المستعر هي الغاية المرجوة التي من خلالها نستطيع أن نفتح منافذ مضيئة لنبني ونعمر ونرسّخ مفاهيم انسانية اضحت مغيبة بعض الشيء، لتطل بنا إلى فضاءات من الوعي والابتكار، وهذا هو همي الشاغل في وقتنا الحالي، أما في ما يخص مشروعي الادبي فما دمت اقرأ واكتب واتأمل واحاول وانفّذ من دون خشية أو مصدات ايدولوجية، هذا يعني أنني بعافية لأستعيد ثباتي في الحياة من خلال هاتيك المنافذ والاعتبارات المحتدمة بيومي الحالي والمقبل لأسابق الوقت في أن أطرح هويتي الثقافية واصدرها بمضمونها الانساني ومشغلها الفني واؤثث معناي بعناية  للوصول الى هناك.