الأدب الوثائقي

ثقافة 2021/10/20
...

 د. حسين القاصد
 
اهتم العرب بإعلامية الشعر، حتى صار الشاعر أشبه بالناطق الإعلامي للقبيلة ثم صار أقرب الى ان يكون وزير إعلام في الدولة لا سيما دولة المناذرة والدول التي تلتها؛ فلقد كان لإعلامية شعر حسان بن ثابت الدور الكبير في إشاعة النصر وتوثيقه، ومثل ذلك الكثير، فسرعان ما عرفنا عمورية من أبي تمام، وعرفنا أنها معركة انتصر بها المعتصم، ونقل لنا صاحب الاغاني كل ما أحاط المعركة من أسطرة، ولا شك أن هذه الأسطرة كانت من ثمار قصيدة أبي تمام، لا سيما في احتدام الصراع بين الواقع والمنجمين، الذي حسمه ابو تمام لصالح معتصمه، لتنتهي المعركة وتبقى واثبة في التاريخ هي والقصيدة، ولولا هذه القصيدة لكانت عمورية حدثا عابرا يمر مرور أية معركة خاضها المسلمون؛ ومثلها قصيدة المتنبي (على قدر أهل العزم ...) فقد وثقت لمعركة
(الحدث):
هل الحدث الحمراء تعرف لونها 
وتعلم أيّ الساقيين الغمائم 
وعرفنا اسم المعركة واسم المدينة واسم جبل الأحيدب: (نثرتهم فوق الأحيدب ..)، والشعر الوثائقي ليس شعر مناسبات انما هو شعر مؤسس للمناسبة، فبعد ان يوثق الحدث ويدعمه إعلاميا، تندفع السلطة باتجاه الاعتزاز به والاحتفال به كل عام فيتحول الى مناسبة، وهو ما يجري في العصر الحديث، إذ قام الشعر بتوثيق كل تفاصيل ثورة العشرين، ثم صارت مناسبة يقصدها شعراء المناسبات، وصار احتفال تنصيب الملك وقام الشعر بتوثيق الحدث، ثم تحول الحدث الى مناسبة يتهافت عليها الشعراء، وعندما تولى البعث السلطة في العراق، جعل حتى المهرجانات ترتبط بالمناسبات التي تخصه، فأقام مهرجان المربد في بداية نيسان وهو تاريخ تأسيس الحزب، واقام مهرجانات التأميم التي بدأت بمهرجان توثيقي ثم تحولت الى مناسبة يقصدها الشاعر ليمدح السلطة؛ وهكذا يبدأ الشعر بتوثيق الحدث ثم تأتي السلطة لتوقظ الذكرى بعد عام وتحتفل
بها .
وليس كل الشعر الإعلامي سيئا، ولا كل الادب الاعلامي كذلك، ذلك لأن الأدب بشكل عام والشعر على وجه الخصوص لأنه أسرع الاجناس الأدبية تفاعلا مع الحدث، لأنهما يوثقان لقضايا الشعب أيضا، والا لانتفت الحاجة للمثقف العضوي، ومن قضايا الشعب كثيرة، فالذي يوثق لحادثة جسر الائمة على سبيل المثال، لن يصب في مصلحة سلطة ما حتى لو تحولت الى مناسبة يحتفل بها سنويا، ومثلها حادثة سنجار ومثلها حادثة سبايكر؛ لذلك لنا أن نسأل الجهات المعنية، هل من توثيق لأدب تناول هذه الحوادث؟، هل من جمع ما كتب في هذه المرحلة من شعر وقصص وروايات؟، هل من بصمة نقد ثقافي تكشف لنا انساق الخطاب الادبي في المناطق التي احتلتها داعش؟، نريد أدباً يوثق لهذه المرحلة، لأنها حتى لو تحولت الى مناسبة، ستكون مناسبة للوطن ولشعبه وليس لحكومة أن تنتفع مما يقال فيها.