بصيرة الثقافة

ثقافة 2021/10/20
...

د. أحمد الزبيدي 
 
أنأ من جيل حُرِمَ من رؤية العراق!.. فرد عليه مدير الجلسة: لقد رأينا العراق بالوفد القادم إلينا من بغداد!!.. بهذا الحوار الساخن: صدقًا وانبهارا استهلت الأمسية النقدية بين الدكتور أحمد الواصلي والأستاذ أسعد زهير الشمراني وكلاهما من المملكة العربية السعودية.. كان ذلك في معرض الرياض الدولي للكتاب. حيث العراق ضيف شرف على المعرض.. ما كان هذا الاستهلال الرائع بغفلة عن الانصات والتصفيق والانبهار فقد استقبله الجميع بتصفيق حار وضاعف بعض المثقفين التصفيق ببريق دمع يتحسسه من حالفه الدمع أن يكون جيران مضيّفه في الكرسي المجاور له.. وشاء القدر - ولأننا لا نمدح القدر إلا حين ينصفنا - أن أكون أحد (القلّة) الذين سمعوا نحيب المثقف السعودي الجالس بجوارك وهو يتفاعل مع ما قاله الواصلي والشمراني السعوديان عن العراق. 
 ولنتفق على أن الحوار يتجاوز العرف العربي في الترحيب بالضيف والدلالات الرومانسية لتطفر إلى المنطقة الرمزية المكثفة التي تختزل رؤية (جيل) معين يتجاوز التناحرات الدينية والطائفية الإيديولوجية وينتصر (للهوية) المشتركة التي قد تضعف لأسباب مختلفة ولكنها لا تموت.. لأن الهوية هي الحقيقة المطلقة وجوهر الشيء الذي يجد ذاته عبر وجود الآخر المختلف معه، ومن هنا فما عبر عنه الواصلي هو (الهوية) المتعالية على المكونات الاثنية ذات التشكل الإيديولوجي المتصادم، والتي أينعتها ردة الفعل الواعية بمرجعية ثقافية متراكمة على الأجندات الثقافية الأخرى المجندة لصالح وظيفة محددة بأبعاد سياسية ودينية ضيقة. 
وقد لا نتفق على حقيقة (المثقف العضوي) حسب تحديداته الغرامشية.. أعني لانتفق على غيابه أو ظهوره في الثقافة العربية، وهل لدينا من المثقفين ما تنطبق عليه تلك المواصفات؟، وهل سنقتنع بتوصيفات محمد عابد الجابري الذي سعى إلى تشكيل (المثقف النقدي)؟.. قد لا نتفق وخاصة بعد أن أطلق بعض المثقفين على نفسه هذا النسب من خلال صاحبه المثقف المشهور بالأنساب الثقافية.. ولكن لو تأملنا الواقع العربي لوجدنا هنالك ثمة (ثقافة عضوية) لها القدرة والفاعلية الهائلة على تشكيل جيل واع وطبقات ثقافية متقاربة قد لا تصل إلى مرحلة (الانتلجنسيا) غير أنه بالامكان ان تُعد انتلجنسيا ثقافية تحقق وجودها عبر التلاقي بين الذوات المشتركة بهوية ثقافية محددة تتعالى على الصراعات المأجورة.. وصحيح أن لهذه الهوية مرجعيتها المحددة لها وهي مرجعية (قومية) في أساسها إلا أنها ليست المرجعية الوحيدة وليست ضمن الشعارات القومية السياسية الزائفة التي أكلت الكثير من أعمارنا حتى (غيبت) الواصلي عن رؤية العراق هو وجيله المثقف!