حطت طائرة تابعة للقوة الجوية التركية، السبت الماضي، في مطار أحمد إي هاني، التابع لولاية آغري، إحدى ولايات منطقة شرق تركيا ذات الغالبية الكردية، والقريبة من الحدود الإيرانية، حاملة على متنها خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي، وعددا من كبار قادة الجيش، في إطار زيارة عسكرية.
رسالة تصعيد عسكرية
وجدد آكار، في خطاب أمام قيادات تركية، طمأنة أبناء القومية الكردية، في كل من تركيا وسوريا، بأن القوات المسلحة التركية لن تستهدف الأكراد، بوصفهم “أشقاء تاريخيين للأتراك”، في عملياتها العسكرية، بل تستهدف التنظيمات المسلحة الكردية بوصفها “إرهابية تهدد تركيا”.
وبعث آكار، في الخطاب نفسه، وفي ثاني موقف من نوعه خلال أسبوع، رسالة تصعيد، تبدو الأهم، وتنص على إنهاء التحضيرات اللازمة لشن عملية عسكرية ضد التنظيمات الكردية المعادية لأنقرة في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، عند غرب نهر الفرات وشرقه، وفي مقدمتها منبج وعفرين، وأن القيادات العسكرية التركية تنتظر أوامر وتعليمات الرئيس رجب طيب إردوغان لشن العملية. وأعاد وزير الدفاع التركي إرسال برقية، اعتاد كبار المسؤولين الأتراك على إرسالها، بقوله: إن “التنظيمات الإرهابية خارج الوطن مثل حزب العمال الكردستاني (PKK)، ووحدات حماية الشعب (YPG)، وأيا كانت أسماؤها، القادمة من نفس الجذور ومن نفس المشارب.. هذه التنظيمات الإرهابية ستستمر محاربتنا لها حتى تحييد آخر إرهابي فيها”.
رسالة تصعيد سياسية
وقبيل إعلان وصول جيمس جيفري، المبعوث الأميركي لسوريا، إلى أنقرة، أمس الاثنين، صرّح مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، بأنه “لا يوجد خيار ثان أو بديل لحل مسألة الإرهابيين الموجودين في مناطق شرقي نهر الفرات بسوريا، إلا بتطهيرها منهم”.
وتردد جيفري على تركيا أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، لمناقشة الأزمة السورية، استنادا إلى صفته الحالية، واعتمادا على صفته السابقة سفيرا لواشنطن لدى أنقرة، وما يتمتع به من علاقات مع المسؤولين الأتراك.
وتتهم أنقرة التنظيمات الكردية في سوريا بممارسة التطهير العرقي ضد القومية التركمانية في منطقة جبل التركمان المعروفة باسم “باير بوجاق” والواقعة شمال محافظة اللاذقية في الساحل السوري. وقال جاووش أوغلو: “عندما نحقق الاستقرار في سوريا سيعود اخوتنا التركمان إلى منطقة باير بوجاق وسيعيشون بأمان في ديارهم”، مضيفا أن “اخوتنا التركمان يعيشون منذ عصور في منطقة باير بوجاق، وسيستمرون في العيش هناك، وتركيا ستكون بجانبهم أينما وجدوا”.
أبواب موصدة
وتجري تركيا مباحثات منفصلة مع الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأزمة السورية، غير أن المباحثات مع الأولى تواجه انسدادا، ومع الثانية تشهد تباعدا، بفعل الخلافات في إدلب.
ويرى البروفيسور سمير صالحة، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، أن “المباحثات التركية بشأن سوريا لا تشهد أي انفراجة في أبوابها الموصدة. موسكو تريد إبعاد أنقرة عن واشنطن في سوريا، لأن ذهابها مع واشنطن ينعكس على ملفات ثنائية، ولهذا تريد أن تكون طرفا أمام الطاولة الروسية – الأميركية – التركية، أو أن تبقى أنقرة حيث هي ولا تنسق مع واشنطن على حسابها، وهذه المعادلة تنطبق على الولايات المتحدة أيضا، إذ أن واشنطن لا تريد لأنقرة أن تنسق مع موسكو على حسابها”.
ويجد صالحة، في حديث لـ”الصباح”، أن “المأزق الآن هو تركي بالدرجة الأساسية”، مضيفا “ماذا ستختار أنقرة؟ وكيف ستتصرف؟ هذه هي الأسئلة المهمة الآن”.
ويعلق الخبير التركي على تصريحات وزير الدفاع التركي بأنها “تصعيد أكثر للضغط على واشنطن لحسم موقفها، ورسالة تفيد بأنه إذا ناورتم فلن ننسحب، وعمليتنا العسكرية ما زالت مطروحة، ولن ندخل في عملية الوقت والمماطلة ولعب ورقة “قسد” وداعش والانتظار حتى التخلص من داعش أولا، مؤكدا “هذه هي الرسالة الأساسية التركية”.
ويستبعد صالحة “وجود مخرج للمأزق، خصوصا بعد إعلان بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من موسكو، متبرعا ومتطوعا، عن وجود خطة روسية لتسوية الأزمة السورية، عبر إنشاء مجموعة دولية جديدة تشمل الدول المنخرطة في النزاع السوري، وتتولى مهمة الاستقرار النهائي بعد استئصال الإرهاب من سوريا”.
وتعني هذه الخطة من وجهة نظر الخبير في العلاقات الدولية أن “روسيا أخذت تناور على حساب أنقرة وعلى حساب طهران، باتجاه أن إسرائيل هي التي ربما تكون المعبر لحوار مع واشنطن، إذا رأت أن مشروعها مع أنقرة لا يؤدي إلى نتائج”. ويجد الخبير أن “الملف السوري يمكن أن يفتح الطريق أمام عملية خلط أوراق واصطفافات إقليمية جديدة، إذ يمكن أن نرى مثلا تقاربا تركيا إيرانيا أقوى في الملف السوري مرتبطا بأكثر من ملف إقليمي آخر، لأن أنقرة وطهران إذا شعرتا بأن هناك تفاهما بين واشنطن وموسكو على حسابهما في الملف السوري، فهذا سيقربهما أكثر وأكثر، وهذا احتمال وارد”.
ويذكر صالحة أن “هناك ضغطا الآن من بعض العواصم الإقليمية على الولايات المتحدة وعلى روسيا لإخراج إيران من المعادلة في سوريا وربما في الشرق الأوسط، وهذا الضغط يعكس حقيقة أخرى هي إن تركيا تشعر بأن سياسات من هذا النوع تجعلها، بعد إيران، هدفا ثانيا، وهذه نقطة تقلق الأتراك أيضا”.