التراب الأميركي

ثقافة 2021/10/24
...

حميد المختار 
هذه الرواية صادرة عن دار فواصل في سوريا تأليف الكاتبة الأميركية (جينين كمنز) وترجمة المترجم الكبير (أسامة إسبر)، هذا المترجم وهناك مترجم سوري آخر اسمه (معاوية عبد المجيد) صارا عندي كالأَدِلاء على الأعمال المميزة، فهما يختاران الروايات المرشحة للترجمة بدقة ودراية وذكاء وهذا ما حصل مع رواية (التراب الأميركي)، التي يقول عنها كاتب روايات الرعب والتشويق الأميركي (ستيفن كينغ): «التراب الأميركي عمل مميز، توازن متقن بين الرعب من جهة وبين الحب من جهة أخرى، أتحدى أي شخص ألا يبدأ بقراءة الصفحات السبع الأولى من الكتاب حتى ينهيه كاملاً، إنه أكثر من رائع». 
وأنا بطبيعة الحال قبلت هذا التحدي وبدأت بقراءة الرواية المكونة من (510) صفحات، والغريب جداً أنها جاءت كما قال الكاتب (ستيفن كينغ) تماماً فهي تشد وتقطع الأنفاس وتثير الريبة والقلق والخوف والحزن أيضاً. 
الرواية تتحدث عن موضوعة (الهجرة غير الشرعية) التي تتم على الحدود بين المكسيك وأميركا، فضلاً عن تناولها موضوعة العصابات المتنفذة في المكسيك؛ (مهربو المخدرات، والقتلة وأجهزة الأمن والشرطة الفاسدة)، وهناك عصابات متمردة وإجرامية تسمى بـ (الكارتلات) والحدائقيون. تبدأ الرواية بإطلاق النار وإبادة أسرة كاملة مكونة من (14) شخصا، ولم يبقَ من الأسرة إلّا الأم الشابة وابنها البالغ من العمر ثماني سنوات، وثمة موضوعة مهمة وخطيرة جداً تناولتها هذه الرواية وهي تصفية وقتل الصحفيين الذين يكتبون ما تمليه عليهم ضمائرهم وقد ذكرت الكاتبة وضع الصحفيين المؤسف ليس في المكسيك فحسب انما في سوريا والعراق طيلة سنوات ما بعد الدكتاتورية وهجوم الارهاب العالمي على هذين البلدين. 
في عام 2017 كانت المكسيك تحتل المرتبة الاولى بين البلدان في قتل الصحفيين وتبقى الأغلبية الساحقة من الجرائم بلا حل ولا يهم ان كان الضحايا مهاجرين أو قساوسة أو صحفيين أو أطفالاً أو رؤساء بلديات أو ناشطين. إن (الكارتلات) تتمتع بحصانة ولا يوجد ملاذ لضحايا العنف، من هنا بدأت البطلة مع ابنها هجرتها من مدينتها ومن بلدها كله محاولة الوصول إلى أميركا خَلاصاً من هذا العنف والخوف اليومي، لأن الذي قام بتصفية أسرتها يريدها هي لهذا تركت كل شيء وحملت ابنها وهربت، والرواية تحكي مسيرتها منذ هروبها من البيت وعبور الصحراء المترامية الأطراف وركوبها القطارات الوحشية وأقصد بالركوب الصعود فوق القطار مع مجموعات هائلة من المهاجرين الذين يتعرضون كل يوم إلى الموت سقوطاً من فوق هذه القطارات ووقوعاً تحت عجلاتها الفولاذية التي لا ترحم. المؤلفة تزوجت من شخص هو أيضاً مهاجر غير شرعي ولهذا سكنها الخوف دائما مخافة أن يُلقى القبض عليه ويُرَحّل فضلاً عن أن جدتها هي أيضاً مهاجرة من (بورتوريكو) هاجرت إلى أميركا في أربعينيات القرن المنصرم، لهذا سكنها موضوع الخوف من شرطة الحدود، والذي يقرأ الرواية ويدقق في الأماكن التي ذكرتها الكاتبة وهي تتابع بطلتها سيظن أنها هي من قامت بهذه الهجرة اللاشرعية، كانت دقيقة جداً ومعلوماتها أكثر دقة في دراسة وضع المهاجرين والأخطار التي يتعرضون لها مما دفع بالرئيس الأميركي (دونالد ترامب) إلى بناء جدار عملاق على الحدود بين المكسيك وأميركا. 
تقول الكاتبة: «هناك رسم جرافيتي رائع على الجدار الحدودي في تيخوانا صار بالنسبة لي محرك هذا المسعى كله، صوّرته وجعلته خلفية لشاشة حاسوبي وكلما شعرت بالوهن أو الاحباط كنت افتح الحاسوب وأنظر إليه»، في هذا الجانب يوجد أحلام أيضاً. تحية لدار فواصل وتحية للمترجم المهم أسامة إسبر وللمؤلفة الرائعة جينين كمنز.