مكانة المرأة في الأدب

ثقافة 2021/10/25
...

 عدوية الهلالي 
 
لطالما تساءلت عما إذا كان الرجال يقرؤون مؤلفات النساء، كما قرأنا مؤلفاتهم طوال حياتنا؟.
في القرن العشرين، كانت أغلب الروايات التي تكتبها النساء يمكن أن تحمل صفة «روايات نسائية» وكان البعض ينظر الى هذه الصفة بازدراء، بل كانت العالمية بعيدة عن متناول العديد من النساء.. أما في المدارس والجامعات فلم نجد العديد من الأسماء النسائية في مناهج الدراسة الادبية ولم يحدث ان وجدت مؤلفاتهن بابا خاصا بها يمكن الولوج منه الى عوالمهن وقضاياهن إلا ما ندر.
ولفترة طويلة، حاول الباحثون والنقاد الادبيون تغيير هذا الواقع، ومن بينهم الكاتبة والأستاذة لوري سانت مارتن، التي خاضت معركة شخصية، إذ طالبت بدعم التمثيل الناقص للمرأة في الأقسام الأدبية في الصحف واللجان الادبية فضلا عن المناهج الدراسية، كما أجرت شارلوت كومتوا وايزابيل بويسكلير من جامعة شيربروك في الكيبك دراسة مقارنة عن مكانة المرأة في المجال الأدبي وعالم الكتب.
أما في السنوات الأخيرة، فيبدو أن وسائل الإعلام تسعى إلى تمثيل الأدب الذي تكتبه النساء بشكل أفضل. وفي حين اننا لا نستطيع حتى الآن التحدث عن المساواة الكاملة بين معاملة أعمال النساء والرجال، إلا أن الأمور تغيرت قليلا لدرجة ان الكاتب والناقد الفرنسي دانيال جرينير خصص مقالاته للحديث عن كتب النساء واستمر مشروعه هذا لمدة عام كامل ثم جمعها في كتاب أطلق عليه عنوان (الأبراج)، وفيه يروي المؤلف قراءته لأكثر من مئة عمل اختارها هو وناشره وزميلاته اللواتي قدمن له النصيحة. 
ومن نتائج مغامرته أنه أعاد اكتشاف أعمال جدته الكاتبة (إيف بيليل) التي كانت مجهولة لديه، مشيرا إلى عدم اكتراثه تجاه كتابات جدته من قبل، على الرغم من انها كانت كاتبة مثله!
إن تجميع نصوص هؤلاء النساء يشير الى حقيقة المجهولية التي عاش فيها الكتاب منذ فترة طويلة، والتي تظهر لنا اليوم جانبها الخفي، خاصة بعد أن قرأ الكاتب ردود الرجال الذين سألهم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن عنوان كتاب كتبته امرأة وترك أثرا لديهم خلال حياتهم.
في السنوات الأخيرة، احتلت النساء الكاتبات صدارة المشهد الأدبي، وكثر الحديث مؤخرا عن المكانة التي تحتلها النساء في عالم الكتب، وسواء كنا نتفق مع فكرة الأدب الجنساني أم لا، فعلينا أن نعترف بأهمية الإنتاج الأنثوي (إن كان في عدد الكتب الصادرة أو جودتها).. ربما نشهد اذن تحولاً عادلا، وهو اتجاه يمكن رؤيته في جميع قطاعات المجتمع. وهذه الظاهرة ليست مقصورة على
فرنسا. 
لقد كان الأدب لفترة طويلة مجالا مقدسا يخوضه الرجال (على الرغم من العمل الرائد، في القرن السابع عشر، لمدام دي لا فاييت أو، بعد قرن من الزمان، الكونتيسة دي سيجور). 
لكن مايحدث الان، هو اكتشاف أن حضور النساء ليس نسبيًا فحسب، بل بات يتفق الكثيرون على أن هؤلاء السيدات يجلبن دمًا جديدًا وقيما الى مجال الأدب. ومؤخرا قال برنارد بيفوت: «أجد أن النساء اليوم يجرؤنَّ على كتابة القصص التي لن يكتبها الرجال أبدًا، قصص من الحياة اليومية، وغالبًا ما تكون قاسية، من دون محرمات أو تحفظ، بينما يهتم الرجال في المقام الأول بأن يكونوا «محترفين»!
هناك شيء واحد مؤكد إذن، وهو ان الكاتبات النساء موجودات ومتميزات. وعلى سبيل المثال، لا يمكن إنكار أهمية تمثيل النساء المتنافسات على جوائز أدبية كبرى، ففي الاعوام الاخيرة، ذهبت أغلبية الجوائز إلى النساء في الرواية والشعر، فضلا عن تألقهن في مجال أدب الطفل والخيال العلمي الذي ترجمت اعمال كاتباته مثل سلسة هاري بوتر الى عدة لغات، فهل تمتلك الأنثى قدرة أفضل على مخاطبة الاطفال والشباب؟، 
لقد أثبتت النساء الكاتبات إذن أنهن عديدات وموهوبات للغاية، ويمكن القول إنهن يكتبن بشكل مختلف وبمهارة أكثر، خاصة عندما يتعلق الامر بالقلب والعاطفة.. تقول ناتالي ساروت: «عندما أكتب، فأنا لست رجلًا ولا امرأة، ولا كلبًا ولا قطة». 
وتعني بذلك أن الجنس ليس سوى عنصر واحد من بين عناصر كثيرة ضمن الخلفية التي يعتمد عليها الكاتب في كتاباته، وإذا كانت النساء ناجحات للغاية، فيجب أن يُعزى ذلك قبل كل شيء إلى أهمية كتاباتهن. والأمر الأكثر أهمية، في الواقع، والذي يجب أن يجعل الرجال والنساء فخورين، هو أن الكاتبة التي كانت تحمل اللقب الذكوري جورج صاند، لو كانت موجودة اليوم، لقامت بنشر كتبها باسمها الحقيقي (اورور دوبي)
 بالتأكيد!!.