علينا أن نستذكر المسرح العراقي.. تواصل وامتداد

ثقافة 2021/10/27
...

 د. عواطف نعيم  
 
يمرون بيننا لطفاء مثل نسمة، حالمين بعذوبة غيمة، مكركرين بصفاء نبع عند قيظ صيف، نجلس معهم، نحاورهم، نمزح، نخاصم، نتمرد لكنهم يغفرون ويتسامحون، نصغي لحكمة السنين التي تتجلى عبر تجاربهم وتنساب نبضا دافقا بالحنين حين يتحدثون، بعضهم يكبرنا في السن وبعضهم يجاورنا في سنوات العمر وآخرون لما تزل سنوات أعمارهم تنبت براعم زهر، هم بيننا، هم معنا، هم يحيطون بنا، يأخذنا في أحيان كثيرة لهاث التعب والكد فنغمض أعيننا إلا عما في خواطرنا المنكسرة، المنغمرة، الجذلة بما تنجز، الخائفة مما قد يحدث، الغضبى والمتوعدة والطامحة حد التحفز، نغفل عنهم وننسى وجودهم لكنهم بيننا لهم ما يشغلهم ولهم ما يلهيهم لكنهم يبتكرون وجودا للوقت كي يتفقدونا ويسألوا عنا ويتوقفوا ليصغوا وينصحوا بروح المحبة والحرص، قد يسأل أحدهم لماذا تكتبين عمن غابوا!! 
واجب ووفاء هو الذي يدفعني للكتابة عنهم كي نتذكرهم ولا ننسى، حين نمر بمناسبات لها علاقة وذات صلة بما كانوا قد نذروا أنفسهم له، لزاما علينا أن نستذكرهم، بل لزام علينا أن نبتكر الاسباب لذلك الاستذكار والاحتفاء بهم كي يظلوا بيننا وعيا ونضالا رغم غيابهم، ولأجل أن تعرفهم الأجيال الجديدة من الفنانين (الذين يتواجدون الآن على الساحة الفنية العراقية ويظنون أنهم هم مركز الحركة والمجددون فيها وأن من سبقهم أو من يجايلهم ممن هم أكبر منهم عمرا وأبرز منهم مكانة عليهم أن يغادروا أو أن يصمتوا أو أن يقصوا لأنهم أخذوا وقتهم وزمنهم وآن لهم أن يتقاعدوا قسرا، ويتناسون أن العقول المبدعة لا تقاس بسنوات العمر وطولها؛ لأن المبدع إنما هو عقل وخبرة ومخيلة وغنى معرفي، وأن التأسيس إنما هو تواصل
وامتداد).
نستذكرهم ونعترف بفضلهم وما منحوه من عطاء ومنجز وآلية اشتغال في زمن صعب وظرف قاس مر عليهم وصمدوا أمامه، نستذكرهم  من خلالنا وخلال أصواتنا وكتاباتنا ما دمنا أحياء، ندرك عمق قيمتهم وجلالة ما قدموا وأسسوا وما أضافوا للتجربة المسرحية والدرامية في أرض الرافدين التي سطرت على أرضها واحدة من أعظم الملاحم الابداعية ألا وهي ملحمة (كلكامش) الباني العنيد والباحث عن خلود يرفعه الى مرتبة الآلهة وسطوة حضورهم بين البشر، والاستذكار لتلك القامات يعلّم الاجيال الجديدة من الذين يبحثون ويجتهدون لكي يكونوا ويزهروا، يعلمهم معنى الوفاء والاحترام وتوقير من كان له الفضل في غرس بذور المعرفة المسرحية وترسيخ الحركة الدرامية بخبرة ومسؤولية وسعي مخلص للمعرفة والتنوير والتغيير، هم الأوائل الذين كانوا معلمين وصنّاع جمال، أضاؤوا فضاءات المسرح العراقي بعروض مسرحية بهية ومؤثرة في العقل الجمعي الذي خاطبوا فيه القيم الانسانية والوطنية، وبذروا من خلال تلك العروض مفاهيم التسامح والانفتاح على الآخر (نظيرك في الخلق أو نظيرك في الدين) وروح الشراكة والتعاون، نستذكر تلك الأسماء وندوّلها من خلال المهرجانات التي تقام على الارض العراقية في مختلف تجليات الفنون، فنطلق اسم مبدع أو مبدعة من الذين غادرونا أو الذين ما زالوا بيننا، نطلق أسماءهم على دورات تلك الفعاليات والمهرجانات والملتقيات والندوات، وندعو وهو حق لنا وزارة الثقافة والسياحة والآثار الى اصدار طابع بريدي يحمل صورهم، وأن تتحلى جدران المسارح العراقية والمؤسسات الثقافية بصورهم، وأن تسمى القاعات في كليات الفنون الجميلة بأسمائهم، أسوةً بما يفعل العالم المتحضر، وألا نبخسهم حقهم فيما قدموا.
 الفنون والثقافة صمامات أمان في حفظ اللحمة الوطنية والسلم الأهلي، وفي التوعية والتنوير المعرفي الذي يبني الانسان روحا وفكرا، نستذكرهم ونرد لهم بعضا من أفضالهم وحقوقهم وهي دين لهم في أعناقنا.